بين السرد التاريخي والشخصي، يأخذك كتاب «44 أصوان» للكاتبة عائشة خليل، في رحلة إبداعية داخل ثنايا واحدة من أجل محافظات مصر وهي أسوان، تعرفك على سر الحياة داخل مدينة السحر والجمال وتاريخها ولمحات من جيل العقاد.
تشارك خليل بالكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال النسخة الـ55 الحالية، في الفترة من 24 يناير حتى 6 فبراير 2024، وتحكي لـ«عين الأسواني» في حوار أجريناه معاها رحلة أربع سنوات من البحث في أسوان لإعداد «44 أصوان».
- في البداية حدثينا عن معنى 44 أصوان؟
عنوان الكتاب يشير إلى رقم هاتف جدي، الحاج "عبدالكريم ناصر" والذي كان رجل إعلام متميز في تلك الفترة، وامتلك جريدة "الصعيد الأقصى"، أول جريدة محلية في صعيد مصر ورأس تحريرها منذ ثلاثينيات القرن العشرين وإلى الستينيات.
وظل رقم هاتفه ثابتًا ولكن رسم اسم المدينة تغيير خلال تلك الفترة من أصوان إلى أسوان، ففضلت استخدام الرسم القديم لاسم المدينة بسبب ارتباطه بهذا الجيل تحديدًا فجاء العنوان «44 أصوان».
- لماذا أعدتِ ذلك الكتاب؟
كنت في دار الكتب منذ خمس سنوات ووجدت جريدة "الصعيد الأقصى" هناك التي امتلكها جدي، فأطلعت عليها وإزداد فضولي لمعرفة المزيد عن مدينة أسوان التي انتمى إليها ولا أعرفها.
ولدت ونشأت في القاهرة ولكن أبي وأمي من أسوان، بدأت زيارة المدينة باستمرار واسأل قريباتي ممن عاصرن جدي وجدتي عنهما، وبالبحث استطعت معرفة العائلة، ثم معرفة المدينة التي تربى فيها أهلي، واكتشفت أن هذا التاريخ في معظمه شفهي لم يُكتب بعد، فوجدت أن من واجبي إعداد هذا الكتاب.
- ما الحقبة الزمنية التي يتحدث عنها الكتاب؟
أتحدث في الكتاب عن التاريخ الحديث لمدينة أسوان، عن جيل العقاد الذي هو جيل جدي، من أواخر القرن التاسع عشر إلى أواسط القرن العشرين، ولكن من البديهي أنني أتحدث عن أسوان المعاصرة أيضًا كلما اقتضى الحال، فمثلًا في تناولي لبعض العادات الاجتماعية كالزواج، كتبت لأقارن بين الطقوس في الماضي والحاضر.
- ما المصادر التي اعتمدت عليها في بحثك؟
تنوعت المصادر البحثية للكتاب من كتب ومراجع وأوراق شخصية وصور ومقابلات شخصية وغيرها، أيضًا شكلت جريدة "الصعيد الأقصى" مصدرًا هامًا للمعلومات عن المدينة خلال فترة البحث.
راعيت الدقة في توثيق المعلومة التاريخية، ولكنني كتبت الكتاب للقارئ غير المتخصص، ومزجت فيه بين السرد التاريخي والشخصي، كي أحكي عن تاريخ عائلتي الذي هو جزء من تاريخ البلدة.
على سبيل المثال كان وباء الكوليرا خطرًا واجهته مصر في آواخر القرن ال 19 وأوائل القرن الـ20، أي في طفولة جدي وصباه، وقد أتت موجات متلاحقة من الكوليرا على مصر في تلك الفترة، وخلال الموجة ١٨٩٦ توفي من بر مصر حوالي ١٦ ألف شخص، ومنهم والدة جدي.
ووصف العقاد تلك الموجة تحديدًا بوصف حزين ومؤثر، فيه من مساحات الصمت أكثر مما فيه من الكلمات، وبمثل تلك الأحداث ينصهر التاريخ العائلي مع تاريخ بندر أسوان وبر مصر بأكلمه.
- ما المناطق والأحياء المختلفة التي ركز عليها الكتاب؟
أتحدث في الكتاب عن أحياء ومناطق مختلفة في مدينة أسوان على مدار الفترة الزمنية موضوع البحث، بعضها موجود وبعضها إندثر، لم أركز على منطقة بعينها، ولكن خلال الجزء الخاص بمنطقة جامع الحاج حسن حيث بيت جدي، ترددت كثيرًا في الكتابة عنه لذلك أدخلت في الكتاب جزء عن السرد الشخصي.
- ما التحديات التي واجهتك خلال إعداد الكتاب؟
كانت التحديات كثيرة للغاية، أهمها أن تاريخ أسوان غير مكتوب، وإندثر مع من يملكون مفاتيحه، وأيضَا غياب الوثائق، لأن الناس يتخلصون من حاجة الميت سريعًا على رأسها الكتب والأوراق الرسمية، بينما الأوراق الشخصية تمثل كنزًا كبيرًا لباحث مثلي.
بها يجد الباحث المؤشرات واللمحات، وأنا كنت محظوظة أن خالي المرحوم الحاج فاروق عباس احتفظ بأوراق أبيه، واحتفظ بها الأحفاد أيضًا، وأطلعوني عليها فاستطعت السرد من خلالها بعض الحكايات المنسية، وكانت هناك بعض التحديات الأخرى، مثلًا لم استطع التأريخ لمؤسسات عريقة في المدينة كنت أود التحدث عنها.
- ما العوامل التي أدت إلى حدوث تغيرات لمدينة أسوان؟
حدثت تغيرات جذرية في مدينة أسوان على جيل العقاد؛ لأنهم نشؤوا في ظل الاحتلال الإنجليزي للمدينة، وهذا أمر مهم أتوقف عنده في الكتاب، إذ رصدت كيف إتخذ الاستعمار أسوان معرضًا لإمكانياتهم الهندسية والإدارية.
أما التغييرات الحديثة جاءت في الستينيات عند إنشاء السد العالي، والذي ترتب عليه تغيرات ديمغرافية وجغرافية مهمة غيرت وجه مدينة أسوان، فمثلًا المدينة الآن يقطنها حوالي ربع مليون نسمة بينما كان تعدادها عند إنشاء السد العالي حوالي خمسين ألف نسمة.
- ماذا تبقى من أصوات كما كانت في جيل العقاد؟
لم يتبق الكثير في الواقع. التغييرات أتت على عادات كثيرة، كما أتت على أسلوب حياة هذا الجيل، لقد تغيرت أشياء كثيرة في جغرافيا المدينة، فحدثت إزالات لزراعات وجبانات وتوسعت رقعة المدينة، وزاد عدد سكانها، وتغير مطبخ الأصولية وتراجعت مفردات الضيافة التقليدية في البيوت.
وأهم التغييرات كانت التعليم وبالذات للفتيات، وبالتالي انفتح أمامهن مجال العمل الحكومي، اليوم فتيات أسوان يعملن في كل المجالات فهن طبيبات ومهندسات وأساتذة جامعة، لقد تغيرت المدينة كثيرًا ولم يتبق منها أي شيء مما كانت عليه في جيل العقاد.