في معرض القاهرة الدولي للكتاب الأخير، شاركت «صفاء متولي» بعملها الأدبي الثاني، وهو مجموعة قصصية بعنوان «وعد غريبة».
تسنى لها أخيرًا أن تقف أمام نسخ عملها، تقابل قراؤها، وتشعر بكونها أحد المشاركين في انتاج الأعمال الثقافية.
فأمام مئات الدور المشاركة وآلاف الكتب وملايين الزوار، يفتح المعرض جرحًا غائرًا لدى «صفاء» وغيرها من الكاتبات في أسوان، يشكون بعدهن عن الحراك الثقافي المتمركز في القاهرة، وانخفاض الاهتمام بما يأت من كتاب المحافظات.
نشرت «صفاء» أولى أعمالها عام 2020، بعد تشجيع من صديقاتها، وتكفلت به ماديًا فدفعت 10 آلاف جنيه مقابل نشره وتوزيعه في المكتبات، فدور النشر على حد قولها لا تنشر للكتاب المبتدئين مجانًا، فما بالك كاتبات أقصى الصعيد.
أما كتابها الثاني، فشاركت فيه بـ3 آلاف جنيه فقط، بسبب تدعيمها من مبادرة ثقافية شاركت فيها، وسهّلت لها التعرف على كتاب آخرون ونشر الرواية ودعم تكلفة إنتاجه.
توجهت «صفاء» إلى القاهرة لحضور المعرض، وهي سعيدة بأنها تشارك فيه هذه المرة بعملٍ لها، وهو ما خفف عليها ساعات السفر الطويلة والمسافات البعيدة.. فرصة حُرمت منها أخريات بسبب التكلفة المادية أو رفض الأسرة السفر.
مثل «إيمان مصطفى» التي لم تستطع مرافقة روايتها في المعرض بسبب رفض عائلتها أن تسافر بمفردها، تشعر أنها مفصولة عن العالم الثقافي، والقراء، وكأن علاقتها انتهت بالرواية بمجرد طباعتها، فالدار في القاهرة، واضطرت أن تطبع معها لعدم وجود بديلًا في محافظتها.
كانت بداية «إيمان» في 2018 ورغم انها لم تدفع سوى 500 جنيه مقابل طباعة كتابها، إلا أنها وجدت نفسها تحمل 5 نسخ منه فقط، ولا تعلم عن توزيعه أو نشره فيما بعد شيء آخر، ولم تُباع الرواية في أسوان، اقتصر توزيعها على القاهرة فقط، لأسباب تتعلق بقدرة دار النشر على التوزيع، مشيرة إلى أن المشكلة الدائمة، هي أن دور النشر الكبيرة لا تنشر كتب المبتدئين، بينما لا تصل دور النشر الصغيرة إلى المحافظات.
"سأنشر أعمالي المقبلة إليكترونيًا، هذا هو الحل الأمثل بدلًا من تحديات السفر وتكلفة الطباعة"، تقول «إيمان» عن قرارها عقب انتهاء المعرض دون مشاركتها فيه.
بجانب عملها كطبيبة بيطرية، مارست «هيام عبد الهادي» هوايتها في الكتابة منذ عام 1999، موضحة أن أصعب تحد يواجه الكاتب، هو كيفية نشر أعماله الأدبية، مشيرة إلى أنها خلال رحلتها في الكتابة، التي أثمرت عن 10 أعمال أدبية، كان أبرزها زهر الحناء، والبحيرة، واجهت الكثير من المواقف غير الجيدة مع دور النشر المختلفة.
تقول «هيام»: "طلبت مني بعض دور النشر دفع مبالغ مالية، على أن تتولى الطباعة وتوزيع الكتب في منافذ البيع، مع حصولي على نسخ قليلة منه ودون علمي هل تم توزيع العمل وبيعه بالفعل أم لا؟ هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الورق، فأنا أُنفق على أعمالي كي يقرأها الناس، دون أن أتربح منها، لأن القراء أهم شيء بالنسبة للكاتب".
لا تستطيع «هيام» التوقف عن الكتابة كما فعلت أخريات رغم مستوى كتابتهن الجيد ولكن اضطررن إلى الانسحاب لأن الفرص المتاحة لهن ليست متوفرة، على حد وصفها، تضيف: "حاولت لمدة 5 سنوات، ولكن شعرت وكأني انفصلت عما أحبه، فاخترت العودة حتى ولو كانت من فلوسي الخاصة".
وتعتبر الورش الثقافية من أهم الأبواب التي تساعد الكتاب المبتدئين على نشر كتبهم، ومنها ورشة المصطبة، التي ينظمها قصر ثقافة "دراو"، وتهتم بتدريب الكاتبات النساء على طريقة الكتابة الإبداعية.
وهذا بالضبط ما فعلته «صابرين خضر»، التي لم تحضر فقط ورشة المصطبة، بل شاركت في تنظيمها أيضًا، فتقول: "نشرت أول مجموعة قصصية لي «ما قالته غيمة» في عام 2019، وتحملت تكلفة النشر من مالي الخاص، فكنت متحمسة وقتها لنشر عملي الأدبي الأول، ولم أنتبه لقلة خبرتي في أمور النشر الفنية، أو اختيار توقيتات النشر المناسبة، ولذلك طلبت من دار نشر في مدينة الزقايق، تعرفت عليها خلال تنظيمها لأمسيات ثقافية في أسوان، أن تطبع مجموعتي القصصية".
وأضافت: "حصلت على جميع النسخ ووزعت جزء منها على الحضور والأصدقاء ممن حضروا حفل التوقيع الخاص بها، وتركت البقية في المكتبة بأسوان، وكنت أتولى عملية الترويج بالكامل والبيع في البداية، ولكنني لم أستطع الاستمرار، ولذلك أصبحت أتعامل مع المسابقات الثقافية، التي تتولى الأمور المالية والترويجية للعمل الأدبي".
وعلى العكس، عارضت الكاتبة «تيسير النجار» فكرة ورش الكتابة، موضحة اقتناعها فقط بأسلوب القراءة لفترات طويلة لثُقل موهبة الكاتب، بالإضافة إلى العرض والمناقشة مع آخرون وتطويرها بعد ذلك، مشيرة إلى أن الإنترنت أصبح متاحًا كي يستغله الكاتب ويعرض موهبته.
وعارضت تيسير أيضًا أن يدفع الكاتب مقابل الطباعة، مشيرة إلى أن دار النشر لا تسوّق للكتب المدفوع ثمنها مسبقًا، بل أنها عاصرت تجاربًا كثيرة، وُضعت خلالها الكتب في المخازن دون تسويق لأن الدار حصلت على حقها مقابل الطباعة، ولم تهتم بحق الكاتب مقابل بيع كتابه.
بالرغم من بُعد «تيسير» عن أماكن قصور الثقافة، نظرًا لأنها تسكن في قرية الأعقاب، إلا أنها استطاعت التواصل مع كتّاب قريتها، «أحمد أبو خنيجر»، و «علية طلحة»، اللذان ساعداها على الكتابة، من خلال مناقشة أعمالها الأدبية وتطويرها، فنشرت «تيسير» أول أعمالها عام 2013، عن طريق كتابة القصص في الجرائد والمجلات الثقافية، فذاع صيتها في الأوساط الثقافية، للتوالى الأعمال بعد ذلك، وتنشر عملها الأدبي الأول الكامل عام 2016.
تقول «تيسير»: "رغم كل ما نشرته، لا زالت ترفض بعض دور النشر الكبرى نشر أعمالي، لأن الأولوية دائمًا تكون للكتّاب الكبار، ومن لديهم الآلاف من المتابعين، ولكنني مازلت أسعى".
وأضافت: "مازلت أواجه بعض التحديات، منها عدم وجود مكتبات لدور النشر في أسوان، لتُعرض بها الكتب التي ننشرها، وبالرغم من مبادرة دار المعارف، لتوصيل الكتب الموجودة في العاصمة إلى باقي المحافظات، إلا أن ما يصلنا هو عينات فقط.. بالإضافة إلى عدم وجود المجلات الأدبية، التي أكتب فيها مقالاتي، فأضطر للحصول على النسخة الإليكترونية منها، لأنها هي فقط المتوفرة، بدلًا من اقتناء العدد".
تصوير: أن تكوني كاتبة من أسوان.. "التكلفة عليكي" والدار في القاهرة
كتب/ت أمنية حسن
2023-02-19 00:00:00
سباحة الشتاء تعرقل أحلام أبطالها
منذ سنة
رغم استمرار الوعود.. سكان بأسوان بدون "صرف صحي"
منذ أسبوعين