"أصولي مرعي".. من "الإضاءة بالخردة" إلى لقب "شيخ المسارح"   

صورة أرشيفية لأصولي مرعي أثناء أحد العروض المسرحية

كتب/ت يارا سليمان
2025-03-27 13:06:33

منذ أن كان طفلًا لم يتجاوز الخامسة عشرة، بدأ "أصولي علي مرعي" رحلته مع المسرح عام 1967، حيث اكتشف شغفه بالخشبة والأضواء عندما شارك في مسرحية مدرسية بمدرسة صفية زغلول الابتدائية بأسوان، لم يكن دوره تمثيليًا، بل كان مسؤولًا عن الإضاءة، وبالرغم من ضعف الإمكانيات، استطاع ببراعة أن يصنع لوحة إضاءة من قطع الخردة، مما أثار إعجاب مدير الإدارة المسرحية.

الأقدم 

يقول أصولي مرعي: "كنت أجد متعتي الحقيقية في الكواليس، سواء في الإضاءة أو إدارة المسرح، حتى أن المخرجين الذين كانوا يأتون من القاهرة كانوا يوصون بي"، وسرعان ما أصبح أحد أعمدة فرقة أسوان المسرحية، التي تأسست في الستينيات مع نشأة الجامعة الشعبية، حيث كانت تتبع الشؤون الاجتماعية، وكان من الرعيل الأول لمؤسسي فرقة المسرح في أسوان عام 1960، وأُطلق عليه لقب "شيخ المسارح"، كونه الأقدم بين زملائه في هذا المجال، وشاهدًا على تاريخ المسرح في المنطقة.

تنافس مسرحي

في ذلك الوقت، كانت أسوان تعج بالحركة المسرحية، إذ كان لكل مؤسسة كبرى فرقتها المسرحية، بدءًا من شركة كيما والسد العالي، وصولًا إلى جمعيات الشبان المسلمين وأنصار التمثيل، وحتى مصانع السكر في كوم أمبو وإدفو، ورغم قلة الدعم، إلا أن العروض كانت تُقدم على مدار العام، وكان هناك تنافس حاد بين الفرق المسرحية.

ويضيف مرعي "كنت أعتبر فترة الستينيات العصر الذهبي للتمثيل والفن، خاصة مع بناء السد العالي، الذي استقطب شخصيات فنية من مختلف المحافظات، مما ساهم في ازدهار الحركة المسرحية في أسوان، وكان من بين أعضاء فرقة أسوان المسرحية مجموعة من رواد المسرح، من بينهم أعضاء فرقة أنصار التمثيل، مثل الكاتب المسرحي محمود الطيخ، والمخرج علي سالم، الذي كان شغفه بالمسرح عظيمًا لدرجة أنه كان ينام داخله خلال فترة بناء قصر الثقافة، إلى جانب الفنانين عثمان عبد المنعم وطارق الدسوقي، الذين شكلوا معًا جزءًا من هذا العصر الذهبي للفن المسرحي". 

أفضل مصمم

لم يكن طريق مرعي مفروشًا بالورود، لكنه أثبت كفاءته بسرعة، إذ حصل على جائزة أفضل مصمم إضاءة عن عرض "بلا نوافذ"، وهو لا يزال في الثامنة عشرة من عمره، مما مهد له الطريق للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية في دراسات حرة لمدة عامين، كما حصد المركز الثالث على مستوى الوطن العربي في مهرجان المسرح العربي للطفل في السويس خلال الثمانينيات، بمشاركة دول مثل الأردن، البحرين، العراق، تونس، ليبيا، السودان، السعودية واليمن، وفي عام 1994 رشحته وزارة الشباب والرياضة لحضور دورة مسرحية في فرنسا.

رغم إنجازاته العديدة، إلا أن مرعي يعبر عن حزنه الشديد لحال المسرح اليوم، قائلًا: "أين المسرح الآن؟ لم يعد هناك لا مسرح خاص ولا مسرح حكومي، في الماضي كنا نقدم 20 ليلة عرض سنويًا، يليها ندوات نقاشية، أما اليوم، فالمال أصبح هو المتحكم، ولم يعد الشغف هو الدافع الأول".

نقص أدوات

ويؤكد مرعي أن من بين أكبر التحديات التي واجهها المسرح في الصعيد هو غياب العنصر النسائي بسبب العادات والتقاليد، ما اضطر الفرق المسرحية إلى الاستعانة بالمغتربات من الشابات والممرضات، كما يشير إلى نقص الأدوات المسرحية، ما كان يجبر الفرق على شرائها من خارج المحافظة بتكاليف باهظة.

يتذكر مرعي بعض المواقف الطريفة والصعبة التي مرت به خلال رحلته المسرحية، ففي إحدى الليالي اضطر فيها فريقه للنوم في مشرحة أحد المستشفيات المهجورة أثناء تقديم عرض مسرحي في منطقة التهجير، وهي المنطقة التي هُجّر سكان القرى النوبة إليها قبيل بناء السد العالي، وموقف آخر يتذكره؛ عندما تعطلت سيارتهم في مزلقان قرية بلانة صباح أحد أعياد الفطر، ليجدوا أنفسهم عائدين إلى أسوان وسط جموع المصلين الخارجين من صلاة العيد. 

رسالة 

كتب مرعي عددًا من النصوص المسرحية، كان أبرزها "مين قتل مين"، "كارت أحمر"، "شريان"، و"صرخة أطفال العالم" التي تحكي عن أطفال قتلهم الإرهاب في مختلف الدول العربية، حيث يظهر طفل ميت من الأرض مخاطبًا الجمهور قائلًا: "أنا ميت بالفعل"، ثم يظهر المزيد من الأطفال من مختلف الدول، كل واحد منهم يحكي كيف اغتالتهم آلة الإرهاب، المسرحية تنتهي بنداء الأطفال "وحدونا حتى في الأكفان، لماذا تقتلون البسمة؟".

وجّه مرعي رسالة  للعاملين والمهتمين بالمسرح في أسوان قائلًا: "على  المسرح أن يستيقظ من غفوته، وعلى الجميع أن يسعى للاستمرار، يكفي رقودًا كي لا يصاب المسرح بغيبوبة وفقدان ذاكرة، فالمسرح ليس فقط تلك العلبة المغلقة، بل هو القهوة، الشارع، الغرفة، والجرن، لقد طال غيابك عن الجمهور الذي يحبك عُد، فالمسرح ما زال قادرًا على تغيير العالم".

تصوير: يمنى موسى وصور ارشيفية من المصدر - صور أرشيفية لمشاركات أًولي مرعي بعروض مسرحية