رغم نشأتها وسط عادات مجتمع متحفظ، وعائلة مازالت تعتقد أن الفتيات مكانهن المنزل فقط، استطاعت ندى محمد حسن، 17 عامًا، أن تكسر القالب وهي في عمر الخامسة عشر فقط، فبإصرارها الكبير، نجحت ليس فقط في الخروج من المنزل، بل في لعب رياضة من الرياضات التي يقال عنها، أنها تقتصر فقط على الرجال، وهي رياضة التجديف.
بدأت ندى حلمها في ممارسة رياضة التجديف منذ 3 سنوات، عندما كانت تشجع صديقتها للعب هذه الرياضة الممتعة، فكانت تُحضر لها الطعام، وتشاهدها وهي تتمرن، حتى شعرت بالإعجاب بشكل المراكب وهي تجري فوق الماء، مشيرة إلى أنها لم تكن تعلم وقتها كيف تسبح، ولكنها فكرت جديًا في ممارسة اللعبة، وأخبرت والدها ووالدتها بذلك، ولكن كان رد والدتها: "البنات المفروض متطلعش من البيت".
بصيص أمل اتبعته ندى، عندما وافق والدها على ممارسة رياضة التجديف، بشرط حصولها على شهادة الإعدادية، بمجموع يُدخلها الثانوية العامة، وبالفعل فعلت ندى ذلك، واتخذت أولى خطواتها كلاعبة محترفة، مشيرة إلى أن مستواها كان جيدًا منذ البداية، فبعد 3 أشهر فقط من التدريب، سافرت للمشاركة في أول بطولة دولية تلعب بها على مستوى الجمهورية، والتي أقيمت في محافظة العلمين الجديدة، لتحصل على المركز الثالث وميدالية برونزية.
لا تخف ندى من الماء، أو من قلب المركب في موجاته، فبالرغم من هشاشة هذه المراكب الصغيرة، إلا أنها مؤمنة بموهبتها، إيمانًا شديدًا، ولذلك مارست لعبة التجديف لمدة عامين دون أن تتعلم السباحة، حتى قررت مؤخرًا أن تطور من نفسها وتتعلمها.
شرحت ندى لـ"عين الأسواني" خطوات لعبة التجديف قائلة: "لعبة التجديف عبارة عن 4 مراحل، كل مرحلة نستخدم فيها عددًا معينًا من المجاديف، ففي أول وثاني مرحلة نستخدم 4 مجاديف، أما بعد ذلك، نستخدم مجدافين فقط، وقبل سفري للعب أول بطولاتي الدولية، طلبت من المدرب أن ألعب في المرحلة الرابعة من اللعبة، وتسمى مرحلة الأسكيف، ولكنه رفض، لأنه من المحتمل أن ينقلب القارب بي، وكنت وقتها لم أتعلم السباحة بعد".
وأضافت: "بعدما عدت من المسابقة تغيّر الوضع، فأُعجب المدرب كثيرًا بحماسي، خاصة في ظل وجود 4 فتيات في الفريق يلعبن منذ 4 سنوات، ولم يصلن إلى هذه المرحلة بعد، بينما أنا أطلب اللعب وعمري في اللعبة 4 أشهر فقط، فوافق المدرب على إشراكي في هذه المرحلة بالرغم من صعوبتها، وكنت أفضل فتاة في الفريق".
لم تشعر ندى بآلام التدريب الشاق، قدر ما شعرت بألمها النفسي، الناتج عن تحطيم والدتها لها، بسبب عدم اقتناعها بممارسة البنات للرياضة، فلطالما ثبّطت من عزيمتها، فلجأت ندى إلى والدها، الذي كان لها بمثابة المدرب والسند.
"والدي كان يقنع والدتي بأن تتركني أذهب للتدريب، فهي كانت رافضة تمامًا خروجي من المنزل، خلال أول عامين من ممارستي للعبة"، هكذا قالت ندى، موضحة أن الوضع ازداد صعوبة، عندما اضطرت إلى السفر مع الفريق وحدها للمشاركة في الألعاب الدولية، أو عندما كانت تخرج من المنزل للتدريب، في الخامسة فجرًا، ثم تعود للمنزل ظهرًا لعدة ساعات، لتذهب إلى التدريب مرة أخرى وقت العصر، فهذا كله كان مرفوضًا تمامًا بالنسبة لوالدتها.
كانت تقسّم ندى وقتها بين ساعات التدريب، وساعات الإقناع، فهي كانت مهددة يوميًا بالحرمان من التدريب إذا لم توافق والدتها على الذهاب إلى النادي، وبعد عامين من المحاولات، اعتادت الأم أخيرًا على كون ابنتها رياضية ناجحة، بل أصبحت تشجعها وتشعر بالفخر بها.
"يعني إيه نازلة المياه تقعدي في فلوكة؟"، هكذا سخر أصدقاء ندى منها، فلم تستقبل أي كلمة تشجيع واحدة منهم، أو من عائلتها الذين تنمروا عليها، حيث نادوها بلقب "سمكة"، بسبب سفرها خارج المحافظة وحدها، وعودتها إلى المنزل متأخرة من تدريبات التجديف.
إحباط الأم والأصدقاء والعائلة، سبحت فوقه ندى وأكملت لخط النهاية، بفضل تشجيع مدربها، الذي علّمها عدم الاهتمام بانتقادات الآخرين، والتركيز فقط على التطوير من نفسها، وقد فعلت ذلك، حتى أصبحت لاعبة في نادي المقاولون العرب.
أثبتت ندى للجميع أنها جديرة بالدعم، وتستحق أن توفر لها الفرصة، لأنها رياضية متميزة، فقد حصلت على برونزية بطولة الجمهورية للتجديف، في أول بطولة تلعبها، ثم حصلت على المركز الأول والثاني، في بطولتين متتاليتين، لعبتهما بعد ذلك، لتطوّر من نفسها، وتعود إلى بطولة الجمهورية، وتحصل هذه المرة على الميدالية الفضية.
بسبب مهارتها، اختار المنتخب ندى ليضمها ضمن صفوفه، ولكن وقف القدر أمامها مرة أخرى، قائلة: "جاءتني فرصة الانضمام إلى المنتخب خلال دراستي، في نهاية الصف الثاني الثانوي، فلم أستطع ترك الدراسة والإقامة في القاهرة للمواظبة على التدريبات، ولذلك اضطررت لرفض السفر، حتى إنهاء دراستي الثانوية، فاسمي مازال مقيّدًا في صفوف المنتخب حتى الآن، وسأسافر حالما أنهي الدراسة، لأن طموحي ليس له حدود، خاصة وأن قلبي معلقًا باللعبة".
بعدما لمع نجم ندى في سماء رياضة التجديف، تحوّل ضحك المتنمرين إلى صقفة تشجيع، فهنأ الأصدقاء صديقتهم الناجحة، واحتضن الأهل الابنة "الشاطرة"، وتحول لقب "السمكة"، إلى "كابتن ندى"، لقبًا ناداها به الجميع، حتى أطفال الحي، وهم يهتفون باسمها في الشارع، متمنين أن يلعبوا لعبة التجديف، ويصبحون مثلها.
تشجّع العديد من أهالي الشارع على تسجيل أسماء أبنائهم في لعبة التجديف، بالرغم من صغر سنهم، الذي لم يتجاوز السبعة أعوام، بل وصل التشجيع إلى داخل منزل ندى، حيث طلبت منها شقيقتها، طالبة الصف الثالث الابتدائي، على الذهاب للتمرين معها، وسط دهشة من الجميع، فكيف قاومت الشقيقة الكبرى معارضة الأهل وهي في الصف الأول الثانوي، لتفرش الطريق ممهدًا لشقيقتها، للعب اللعبة وهي في عمر أصغر منها.
من واقع تجربتها، وجّهت ندى عدة نصائح لكل المقبلين على ممارسة رياضة التجديف، أولها تعلّم السباحة، حتى يكون اللاعب مستعدًا، حال انقلاب القارب في أي وقت، أما النصيحة الأكبر فكانت للعائلات التي يُولد في منازلها فتاة رياضية، فتقول ندى: "أنصح الأهالي بتشجيع أبنائهم، خاصة الفتيات، وإعطائهم طاقة إيجابية، فكنت أشعر بفقدان الأمل، عندما كانت تحطمني والدتي، حتى عندما كانت تسمح لي بالذهاب إلى التدريب، كنت أتمرن وأنا فاقدة للشغف في كل شيء، فيجب أن يشجع كل أب وأم أبنائهم على ممارسة الرياضة، لأنها مفيدة جدًا للإنسان، فهي تعلّمه أشياءا كثيرة، منها الإرادة والمثابرة"
منذ سنوات قليلة، كانت تحلم ندى بالالتحاق بكلية الشرطة أو الحربية، ولكن بعد نجاحها في لعبة التجديف، أصبح هدفها الحالي هو الالتحاق بكلية التربية الرياضية، حتى تساعدها الدراسة على المشاركة والفوز في بطولات العالم.