في عام 2018؛ حصلت فاتن صلاح على تدريب تابع للشركة التي تعمل بها، وهي الشركة المتخصصة في إعادة تدوير المخلفات الزراعية للنخيل، وهو العمل الذي اعتادت عليه.
خلال التدريب؛ تعلمت فاتن، 34 عامًا، كيفية إعادة تدوير مخلفات الموز، وكان الأمر مثيرًا لحماستها بشدة لدرجة أنها قررت البحث بشكل أكثر تعمقًا عن هذا المجال، لتجد أن محافظات أسوان والأقصر وقنا تحتوي على 4 مليون و300 ألف شجرة موز، تنتج الواحدة منهم 10 كيلو مخلفات في اليوم الواحد.
لم تتردد فاتن عن التفكير في العمل على تدوير مخلفات أشجار الموز بعد صدور قرارًا بإغلاق الشركة التي كانت تعمل بها، ولأنه لا يوجد أحد في أسوان يعمل في هذا المجال، اضطررت للبحث بنفسها وتطبيق ما تعلمته في تدريبها السابق على العرجون، وهو المنتج الذي يعاد تدويره من النخيل وله صفات تشبه صفات مخلفات الموز.
تقول فاتن لـ"عين الأسواني": “شاركت صديقتي في مشروع "ألياف" لإعادة تدوير الموز بالذات لسهولة تشكيله وقلة إنكساره، فالموز يتميز بمرونة عالية تصل إلى 70% وعمره الافتراضي أطول من غيره، وكانت المشاركة الأولى لنا في معرض تراثنا، حيث قمنا بصناعة أدوات منزلية صديقة للبيئة".
بالرغم من التحديات التي تواجهها كرائدة في مجال إعادة تدوير مخلفات الموز، إلا أن فاتن تحاول دومًا نشر الفكرة في جميع مناحي أسوان، مشيرة إلى أنها تعاني من نقص الأيدي العاملة لإنتاج الطلبيات التي تستقبلها قائلة: “أحتاج إلى الدعم المادي لإعداد ورشة تدريبية لتعليم النساء كيفية إعادة تدوير مخلفات الموز، فيجب شراء كمية مناسبة من المواد الخام لتتعلم السيدات بالتطبيق عليها".
تشتري فاتن المواد الخام التي تحتاجها من محافظتيّ قنا والأقصر، فبالرغم من وجود أشجارًا للموز في أسوان إلا أنها تفتقر إلى امتلاك الماكينات التي تُستخدم لإخراج الألياف منها، ولا تستطع فاتن الحصول على الدعم المادي اللازم لشراء الماكينة خاصة وأنها الوحيدة في أسوان التي تعمل في مجال تدوير مخلفات الموز.
تحصل فاتن على الألياف جاهزة من قنا والأقصر ثم تعمل مع فريق عملها المكوّن من 15 سيدة على التصميم والتطريز النهائي في أسوان، حيث تنتج السيدات أدوات منزلية مثل القطع التي تستخدم في ديكور المنازل وأدوات الإنارة، وتوضح فاتن أن أغلب النساء في فريقها يعملن بالقطعة نتيجة لعدم انتظام العمالة، فبعضهن يتركن العمل لأسباب عائلية مثل رفض الزوج أو الأسرة للفكرة، والبعض الآخر يتركن العمل بعد الزواج.
شاركت فاتن في إحدى حاضنات الأعمال لاحتياجها للتمويل بعد اعتمادها على التمويل الذاتي لفترة طويلة، حيث ساعدتها هذه الحاضنة على معرفة الطرق الصحيحة للإدارة، التسويق وكيفية صنع منتجات ذات مقاسات مناسبة تصلح للبيع للجمهور.
مثل بقية المشروعات، تأثر مشروع "ألياف" الذي انطلق في عام 2019 بجائحة فيروس كورونا، فاضطرت فاتن وقتها للعمل في المنزل وترك المقر الرئيسي لعدم استطاعتها على دفع إيجاره، وقامت بتدريب السيدات للعمل في منازلهن بحسب الطلبيات المطلوبة دون الحاجة إلى ترك أبنائهن والنزول إلى الشارع في هذا الوقت الحرج.
تطمح فاتن لتوسع مشروعها لينتقل من اقتصاره على صناعة أدوات منزلية من ألياف الموز إلى صناعة أقمشة مثل قماش الكتان الذي ينتج أيضًا من مخلفات إعادة التدوير فتقول: “بعدما كانت تُحرق مخلفات الموز أو تُترك حتى تتعفن أو تُلقى في النيل مثلما يفعل الكثيرون، أصبحت منتجات "ألياف" تُعرض داخل فنادق قرية غرب سهيل وجاليريهات مختلفة في القاهرة".
يظل امتلاك ماكينة لإنتاج الألياف من مخلفات أشجار الموز حلمًا لـفاتن حتى لا تضطر لانتظار أصحاب الماكينات في المحافظات الأخرى ريثما يقوموا بإنتاج 100 كيلو من مخلفات الموز ثم تحصل عليها في النهاية، مشيرة إلى أنها تشتري الألياف في موعد حصاد أشجار الموز الذي يكون كل عامين حتى تستطيع شراؤه بسعر أقل من شراؤه في أوقات الذروة.
تركت فاتن بصمة واضحة في مجال إعادة تدوير المخلفات جعلها واحدة من ضمن النساء المكرّمات في احتفالية يوم المرأة المصرية التي أقيمت في شهر مارس الجاري، مشيرة إلى أنه عندما وردها خبر التكريم شعرت بسعادة غامرة لأنها لم تكن تعلم أن أحدًا خارج محافظة أسوان يعلم بجهودها في هذا المجال.
تسعى فاتن حاليًا إلى تدريب نساء قرية أبو الريش بحري - القرية التي تعتمد على الزراعة وتعاني نقصًا في الخدمات - على صناعة الأدوات المنزلية من مخلفات أشجار الموز، مشيرة إلى أن نساء هذه القرية لا يستطعن العمل خارج المنزل ولذلك تعلّم هذه الحرفة سيجعلهن قادرات على العمل والإنتاج والحصول على أجر وهن بداخل المنزل.
وريثما توفر مكانًا لتدريب السيدات بعد التنسيق مع رئيس الوحدة المحلية بالقرية، قررت فاتن استكمال تعليمها في الجامعة المفتوحة، مؤمنة بأهمية التعليم في دعم طريقها للنجاح في مجال إعادة تدوير مخلفات الموز.