في المرسى بالضفة الشرقية من نيل أسوان، يستقل الزائرون المراكب للوصول إلى جزيرة النباتات. على ضفافها تتراص أشجار الجميز، التي تفوق أعمارها مئات السنوات، ورغم أن الجزيرة تضم أكثر من 800 نوع من النباتات المختلفة على مساحة 17 فدانًا، إلا أن شجر الجميز هو الأشهر.
ويرتبط الأسوانيون بشجر الجميز تحديدًا، لكونها إحدى الأشجار المعمرة التي تعيش لسنوات طويلة، وكانت تنتشر في أرجاء المدينة إلى أن جاء الزحف العمراني.
على أرض أسوان كان للجميز نشأة تاريخية منذ عصور ما قبل الميلاد، إذ استخدم الفراعنة أخشابه في صناعة التوابيت، وتماثيل الإلهة، وأدوات المطبخ، والموسيقي، والآلات الزراعية.
وعلى بعد 100 كيلومتر جنوب السد العالي بأسوان، يقع معبد الدكة والذي أصبح مثالًا على قدم الشجرة وتكريسها، إذ يحمل على جدرانه رسومات لشجرة الجميز، مما يدل على تاريخية تلك الأشجار في أسوان.
يؤكد ذلك، مفتش الآثار شاذي أبو القاسم، بأن شجرة الجميز لها علاقة ببعض الآلهة في الديانة المصرية القديمة، موضحًا أن الإله جحوتي كان يسجل كل شيء على شجرة الجميز لذا تعد من الأشجار المقدسة.
ومن رموز الفراعنة إلى رموز أهل المدينة، بات شجر الجميز من الذكريات الجميلة في أسوان، ويستخدمونها كرمز في الفنون رغم تقلص مساحتها، لتدل على الأصالة.كما تمثل الجميز الشجرة القروية في البيئة التي عاش فيها الكتاب والشعراء وأصبحت مصدر أدبهم لارتباطها بالمكان الذي عاشوا به.
تغنى الشعراء في جمال تلك الأشجار، فقالت الشاعرة الأسوانية حبيبة الزين في ديوانها "سيرة الجميز": "في الليل...
شعرات النخل تتدلى مع نسيم الريح
بينام القول...
وتطفين عيون الناس جوه المصابيح
إلا ونسة بيت الجميز
كانت شجرة أصيلة ولها مريدون
يتلموا عليها يحطون ع الخشب الجاز
والطير... مركون خوف م الدخان
غارس في طبيعة الكون... بينام
واحنا... اتناشر روح صاحيين
حاشيين النوم من عين... زارعنها كلام".
تقول زين لـ"عين الأسواني"، أنها أرادت من خلال القصيدة أن تتحدث عن مركزية المكان والحنين، وعلاقتها بالشجرة وتعلقها بها، فكان شجر الجميز ينتشر أمام منزل عائلتها في قرية الجعافرة بمدينة أسوان، تجتمع العائلة بجانبه في الليل للحديث، وإشعال النار: "شجرة الجميز هي أكثر الرموز التي اشتقت إليها في بلدتي بعد الرحيل منها".