اعتدت على الخلاف بيني وأختي ذات الثمانية أعوام في المنزل؛ بسبب المحتوى الذي تشاهده في أوقات فراغها والذي تذيعه قنوات الكارتون التليفزيونية، لذا هي تلجأ إلى "يوتيوب" لتشاهد محتوى آخر يبثه أطفال في سن قريب لعمرها.
أصبحت محاولات والدتي لإثناء أختي عن مشاهدة هذا المحتوي يشغل حيزًا كبيرًا من نظام حياتنا اليومية وحتى الحلول التي نفعلها لرقابة ما تشاهده أختي غير مجدية، فحين تنشغل والدتي تعود لمشاهدة هذا المحتوى.
وأنا أرى هذا الخلاف اليومي يمر من أمامي شريط ذكريات طفولتي، أقارن بين طفولتي وأنا الآن "17 عامًا" وطفولة أختي، لازلت أتذكر نوعية البرامج المعروضة على التليفزيون مثل "قناة براعم الأطفال"، والتي تميزت بتنوع برامجها مثل: “السيد بارع، الطبق الطائر، مختبر نينا".
هذه الفروق بيني وأختي يجعلني أقارن بين مستوى تفكيري ومستوى أطفال الجيل الحالي ومقدار المعرفة المتاحة لكلًا منّا؛ إذ هم يعرفون أمورًا لم أعرفها إلا في سنين أكبر، وأجزم أن هذه التعليقات مشتركة بيني وكثير ممن في سني أو أكبر.
لن أنسى وجه خالي حين سأل عن معنى كلمة "كراش" عندما سمعها من ابنته وهي في عمر أختي، أتذكرها وهي تخبره بكل بساطة أن الفصل الدراسي التي التحقت به مقسم إلى "كراشات"، لم أكن أتخيل أبدًا أنني سأجري حوارًا عن معنى تلك الكلمة، وهي كلمة لا أجرؤ على ذكرها أمام أهلي.
جيل أختي يشهد عصر إتاحة المعلومات والمعرفة، وهو أمر رغم ما يمثله من إيجابيات؛ إلا أن المعلومات هنا صارت مفتوحة للجميع فالكبير مثل الصغير، سواء كانت المعلومات مناسبة لطفل عمره ثمانية أعوام أم لا، إذ يتعرض لكل ما يتعلق بالزواج والطلاق والحب وغيرهم، وما لكل هذه القضايا من وقع ثقيل عليّ وأنا في ضعف عمره، فما بالك به هو؟
إيقاع الحياة ومجرياتها باتت سريعة جدًا من حولنا، دخول الإنترنت وإتاحة الفرصة لاستخدامه في حياة الأطفال بات ممكنًا؛ بسبب انشغال الأهل بمتاعب الحياة التي تشعرهم دومًا بالإرهاق بسبب سرعة الحياة أو حتى لمجرد "تكبير الدماغ من الزن".
أيضًا فقدان شعور الأمان الموجود في الشوارع؛ يجعل من أعرفه من الآباء والأمهات يشعرون بالخوف من ترك أطفالهم للعب مع أصدقائهم أو الخروج دون تواجدهم هم شخصيًا، فصارت الأجهزة تحتل أوقاتهم، سواء هواتفهم أو شاشات التليفزيون أو في حالات أخرى "اللاب توب".
في جيل أختي صارت ظروف المعيشة مبالغ فيها والتوقعات أعلى، فمثلًا نُزهة "خروجة" النوادي مبالغ فيها عما كانت في الماضي، النوادي مليئة بالألعاب الكهربائية، على عكس وقتنا إذ كانت الوسائل الترفيهية غير مكلفة عبارة عن "مراجيح وزحاليق" وألعاب بسيطة، وكانت المساحات تتسع للعب الكرة و"الاستغماية".
ما نجده الآن هو انتشار الألعاب الكهربائية بمقابل مادي، ووجود لافتات تحمل عبارة "ممنوع لمس المساحات الخضراء"، وامتلاء النوادي بالحلوى التي تحتوي على مواد حافظة مضرة وشيوع مطاعم الأكلات السريعة؛ وهو ما يُصعِب السيطرة على الطفل ومنع رغبته في شراء هذه الأكلات باهظة التكاليف على الأسر.
كل هذا يأتي على عكس طفولتي التي كنت استمتع فيها بالأكلات المنزلية ومنها: “الترمس، الفشار، الكعك المنزلي" فهذه أكلات تُشعرني بالرضا، قبل أن نشاهد اليوم لافتة كبيرة على أبواب النوادي تحمل عبارة: “ممنوع اصطحاب المأكولات والمشروبات من الخارج".
نزهات جيلي تميزت بالمسطحات الخضراء ذات المقاعد البسيطة التي كانت وسيلة ترفيه للأسر دون تكلفة، أسأل نفسي الآن.. أين اختفت هذه الأماكن؟.. فيما تخوض الأمهات الآن عناء البحث عن مكان مريح لهن وأطفالهن كفرصة للخروج والتنزه دون عناء، هذه المتنزهات اختفت تدريجيًا من أجل إنشاء كوبري أو توسيع الطُرق بلا سبب واضح.