تفضل منار محسن، الطالبة في كلية الصيدلة، استخدام الكتاب المطبوع في المنزل فقط، أما في الخارج فتستخدم الكتاب الإلكتروني فقط، تقول: “هذا النوع من الكتب يعيبه صغر حجم الخط، واستعمال شاشة الهاتف يؤدي إلى جفاف في العين".
تحاول كل فترة أن يكون للكتاب المطبوع جزء من ميزانيتها، إلا أن هذا بات يمثل لها عبئًا ماديًا يتزايد عليها في الفترة الأخيرة، مع ارتفاع أسعار الكتب المستمر انعكاسًا لأسعار الورق والطباعة.
تحدي حاولت أن تواجهه بالميل إلى البحث عن الكتب التي تفضّلها بصيغة إلكترونية، إلا أن هذا لا يخلو أيضًا من عدة اشكاليات؛ أولها عدم توافر النسخة بالفعل، أو على حد قولها خشيتها من الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، توضح: "أخاف أن يكون تحميل الكتب الإلكترونية من مواقع لم تحصل على إذن المؤلف حرام".
ليست منار وحدها من تثير اشكالية التنقل ما بين النسخ المطبوعة والالكترونية للكتب في سوهاج، بل بات الأمر تساؤلًا يواجه كل محبي القراءة تقريبًا، ولم يعد الأمر رفاهية مع زيادة الأسعار المستمرة.
ويتميز الكتاب الإلكتروني بانخفاض سعره مقارنة بنسخته المطبوعة التي يرتفع ثمنها لضمها أسعار الورق والطباعة والمواد الخام، ومع انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار ارتفعت أسعار الكتب المطبوعة 3 أو 4 أضعاف السعر السابق، وهو ما تعاني منه منار.
ومثل العديد من طلاب الجامعة، تعتقد منار أن غلاء أسعار الكتب المطبوعة يؤثر على إقبال القراء الشباب على الشراء؛ إذ ليس لديهم دخل ثابت يستطيعون عن طريقه شراء الكتب.
واقترحت منار لمواجهة الأزمة حضور فكرة القراءة في المكتبات العامة المنتشرة في كل مدينة ومحافظة؛ ليستطيع حينها المهتمون قراءة ما يرغبون، مع تخصيص أماكن للاستعارة مقابل مبلغ رمزي يسترده المستعير بعد إعادة الكتاب بحالته أو تغريمه إذا أضر بالكتاب.
لكن في سوهاج لا يوجد سوى مكتبة عامة واحدة مفتوحة للجمهور وهي مكتبة رفاعة الطهطاوي والتي لا تضم جميع المجالات، أما مكتبة قصر ثقافة سوهاج فهي مغلقة نتيجة للتطوير في القصر.
وتدعو منار إلى الإكثار من فكرة استخدام الكتاب الإلكتروني، عبر برامج "أدوبي" التي تتيح في نسخها قيام القراء بكتابة ملاحظات في الصفحة.
واستطاعت منار الانتهاء من قراءة كل الكتب المطبوعة في مكتبة منزلها، واضطرت أخيرًا الاتجاه إلى الكتب الإلكترونية؛ حين وجدت الكتب المطبوعة مرتفعة الثمن، فالأولى بديل أرخص يحل الأزمة، وهو ما يعني تغيير منار لعاداتها في القراءة التي بدأتها في الثالثة من عمرها، ومع دخول المدرسة أصبحت تستبدل الكتب مع أصدقائها، ثم إدخار مصروفها لشراء الكتب.
الآن اعتادت منار القراءة الإلكترونية؛ وهو ما ضاعف لديّها الحنين إلى الكتاب المطبوع، تقول: "رائحة الورق مُميزة ولن أتوقف عنها على الرغم من ارتفاع أسعارها".
وقفزت أسعار الكتب في مصر، عقب تعويم الجنيه المصري في نهاية أكتوبر الماضي؛ والذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام.
ولا تشعر ميرنا، طالبة أيضًا في كلية الصيدلة، بالراحة في القراءة عبر الكتاب الإلكتروني؛ فهي قراءة مرهقة للعين على عكس الأخرى من الكتاب المطبوع التي تشعر معها بالسعادة عند لمس الورق، كما أن هذا يزيد من حماسها لقراءة الكتاب أكثر من مرة بعكس الإلكتروني.
واقترحت ميرنا عقد اتفاقًا بين دور النشر مع مصانع الورق لتخفيض أسعار الورق لمواجهة أزمة ارتفاع سعر الكتاب المطبوع، كما تنصح باللجوء إلى الكتب الصوتية المتاحة عبر تطبيقات إلكترونية على الهواتف المحمولة، وهو ما يساعد في قراءة أكثر من كتاب ويخفض معدلات شراء الكتب المطبوعة.
وعلى الرغم من حب ميرنا للقراءة من الكتاب المطبوع؛ إلا أن ميزانيتها لا تكفي، فكل مرة تخطط لشراء قائمة كتب، تجد أن الميزانية تكفي بالكاد لشراء كتاب واحد، فمثلًا وجدت ثمن رواية واحدة غير مترجمة يصل إلى 250 جنيهًا، لذا قررت ميرنا الإتجاه الفترة القادمة إلى شراء كتب مُحددة بعد قراءة ملخص عنها.
ومثل ميرنا ومنار، تعاني أيضًا خلود صلاح، طالبة في كلية العلاج الطبيعي، من صعوبة القراءة في الكتاب الإلكتروني ومن ارتفاع ثمن الكتاب المطبوع.
ولا ترغب خلود في استخدام الكتاب الإلكتروني لأنه يرهق العين ويفقدها لذة القراءة، مما خفض من معدلات قرائتها، كما أن الهاتف وما به تطبيقات يشتتها أثناء القراءة.
تجد خلود أيضًا نفسها في مواجهة غلاء أسعار الكتاب المطبوع، فكونها طالبة غير مستقلة ماديًا فلا تستطيع إرهاق ميزانية أسرتها بأسعار الكتب الباهظة، لافتة إلى أن بعض القراء أسرهم بالأساس غير مهتمين بالقراءة؛ وبالتالي لن يقدروا فكرة شراء كتاب بثمن ما.
وتعرف خلود أن الاعتماد على القراءة من الكتب الإلكترونية مرحلة مؤقتة، وتنتظر استقلالها المادي عن أسرتها؛ للعودة إلى الكتب المطبوعة، موضحة أن الكتاب الإلكتروني متاح بشكل واسع على الإنترنت فبعض الكتاب وافقوا على إتاحة كتبهم دون مقابل مادي، خاصة كُتب فترة الثمانينيات والتسعينيات وكتب الأدب الإنجليزي القديم.
ولا تعتمد خلود في القراءة الإلكترونية على تطبيقات بمقابل اشتراك مالي شهري؛ لأنها تقضي أيامها أحيانًا بلا قراءة.
وتعتقد خلود أن غلاء مواد الطباعة لا يُعد سببًا كافيًا لتفسير ارتفاع سعر الكتاب المطبوع، ولكن السبب الحقيقي هو محتوى الكتاب، فالكاتب يضيف إلى سعر الكتاب مجهوده وما قدمه.
وتذكر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء - وصول عدد الكُتب في العام إلى 2256 كتابًا وعدد النسخ بالألف نسخة 34157 كتابًا، وذلك بحسب الكتاب الإحصائي.
وتشير دراسة صادرة في عام 2021 في جامعة دمياط بعنوان "أنماط إفادة أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بكليات العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة دمياط من الكتاب الإلكتروني"، إن 95 % من الباحثين يستخدمون الكتب الإلكترونية ضمن 220 شخصًا أجابوا على استبيان بشأن ذلك، وأن 98 % من مستخدمي هذه الكتب يستخدمونها من المنزل.
وتوضح الدراسة أن الفئة العمرية من 21 إلى 41 عامًا هي أكثر الفئات العمرية التي تستخدم الكتب الإلكترونية، وأن 69 % من الباحثين من مستخدمي الكتب الإلكترونية فسروا السبب بعدم اضطرارهم إلى الذهاب إلى المكتبة، فيما اعتبر 36 % منهم أن القراءة من شاشات الكمبيوتر من أكثر المعوقات التي تواجههم في استخدام الكتب الإلكترونية.