لا يستقيم عيد الأضحى دون تناولي طبق الفتة اللذيذ الذي أنتظره بكل لهفة وشوق كل عام، بعد أن تعدّه لنا جدتي صباح يوم العيد.
مرت السنوات وطبق الفتة لا يزال طقسًا مميزًا تحرص جدتي على طهيه كل عام مهما تقدم بها السن، لتُقدّمه لنا بعد صلاة العيد والابتسامة تزين وجهها، وكأنها لا تشعر بالتعب كل هذه المدة التي استغرقتها في طهي هذا الطبق.
ورثت جدتي هذه العادة من والدتها، فكانت تحرص على إعداد هذا الطبق لتُقدّمه لأبنائها في عيد الأضحى لأنها ترى فيه جمع شمل عائلتها، وتوارثته جدتي وكبرنا على هذه العادة، التي نتلذذ فيها بطعم طبق الفته بأكبر قدر ممكن.
فى كل عيد اعتدت أنا وعائلتي بعد صلاة العيد الذهاب إلى بيت جدتي، وهنا يبدأ العيد، فدائمًا تكون أسرتي أول من يحضر، وذلك بسبب قرب منزلنا من منزل جدتي، لنجلس أنا وإخوتي فى استقبال أبناء جدتي الثلاثة وأبنائهم.
الكل ينتظر من يُقاربه في العمر، حتى يحضر الجميع وتبدأ حلقات السمر وتتعالى الضحكات، حتى يشعر الجميع بالجوع مع فوحان رائحة التقلية وقلي اللحمة بالسمنة البلدي من مطبخ جدتي، فرائحة الفتة قد بدأت تعمّ المكان، وبدأ الكبار بالسؤال عن الطعام، أما الصغار ذهبوا ليُراقبوا جدتي؛ فهذا المشهد لن يتكرر إلا في العيد القادم، وهي تقوم بوضع اللمسات الاَخيرة على هذا الطبق، وتُزينه العيش "المقرمش" واللحم والأرز المخلوط بالصلصة.
الجميع قد سال لعابه، وهو يترقّب لحظة الانتهاء من إعداد الطبق حتى تأتي اللحظة المنتظرة؛ لحظة وضع أطباق الفتة على طاولة جدتي، وهنا يبدأ الجميع فى تذوّق أول ملعقة، والسعادة تبدو على وجوه جميع أفراد العائلة، هذا الطعم لم نتذوقه منذ العيد الماضي، وتتوالى ملاعق الفتة في اتجاه فم الحاضرين، فكل ملعقة هي ألذّ من التي سبقتها، والابتسامة تزداد على وجه جدتي، راضية عن أكلها الذي أسعد أفراد العائلة، وما إن ينتهي كل فرد من أكل نصيبه من الفتة، نبدأ بتقبيل يد جدتي تقديرًا لتعبها، فقد أعدت هذه الأطباق بمُفردها بكل حب.
لكن العيد الماضي لم يمرّ مرور الكرام على جدتي مثلما انقضت كل الأعوام السابقة، فقد واجهت جدتي أزمة مالية أثناء تحضيرها لهذا الطبق المنتظر، فقد كلّفها الطبق الواحد 150 جنيهًا، فهي تعد لكل ابن من أبنائها طبق كبير ليتناوله مع أبنائه، ليُصبح مجموع الأطباق التى تقوم بإعدادها 5 أطباق، مما كلفها 750 جنيه، أما هذا العيد ومع استمرار أزمة أرتفاع الأسعار بدأت جدتي بشراء اللحم الشهر الماضي لأنها أغلى المكونات لضبط ميزانيتها، كما قامت بشراء الأرز والطماطم والبصل، ووفرت الخبز البلدي لتحميصه منذ الأسبوع الماضي، حتى تستطيع جدتي الحفاظ على تلك العادة وعدم قطعها، ولكن في الحقيقة تدور في ذهني عدة تساؤلات؛ هل تستطيع جدتي الحفاظ على عادتها كل عام فى ظل أزمة ارتفاع الأسعار؟ هل ستصمد وتضع بدائل وحلولًا للتغلب عليها للحفاظ على العادة الموروثة من والدتها أم ستغلبها الأيام وتتوقف عن عادتها؟ تلك الأسئلة لا أعرف إجابتها وأتخوف كثيرًا من اختفاء تلك العادة التي ارتبطت بها في كل عيد أضحى.