العيد الرقمي

تصميم: باسم حنيجل

كتب/ت جنة الله أشرف عطية
2025-03-31 07:32:55

لم يكن ثوب العيد مجرّد قطعة قماش تُشترى، بل كان وعدًا بالفرح، وعهدًا بالاختلاف المؤقّت عن رتابة الأيام، كانت الأرصفة تتزيّن بنا ونحن نطوف الأسواق ككائنات تقتات على دهشة الاختيار، نُقلّب القماش بأيدينا، نتلمّس ملمسه بأطراف أناملنا، كأننا نُعيد تعريف الفرح من خلال نسيج اليوم، ما عاد هذا الطقس قائمًا؛ شاشة باردة ونقرة جامدة، وسلّة تسوّق افتراضية تأسر الطفولة خلف زجاج الهاتف.

صار العيد رقميًّا؛ تُستبدل فيه زحمة الأسواق ببطء التحميل، وتُنتزع منه حميمية اللمس لصالح صور مُفلترة لا تُشبه الحقيقة، لم تعد ثياب العيد تُجرَّب على الجسد، بل تُجرَّب على صورة افتراضية، غاب الحوار بين البائع والمشتري، بين الأم وطفلها، بين الفرد والشارع، وباتت العلاقات الاجتماعية مختزلة في إشعارات تصل متأخرة، وقلوب تُرسل بلمسة واحدة دون أن تُشعر بها.

لم يكن العيد ثوبًا فحسب، بل كان وجهًا لفرح أوسع، فرح يبدأ من الطرقات، من سلام الجيران، من  الطرقات المزدحمة التي تمتلئ بالضحك والتصافح، والبيوت التي تفتح أبوابها بلا مواعيد، لأن العيد لا ينتظر دعوة، أما اليوم، فـ"كل سنة وانت طيب" صارت تُرسل عبر النصوص، والزيارات اختُزلت إلى مكالمات مجاملة، وأحيانًا إلى "حالة واتس" تُرسل للعالم كله، ولا تصل لأحد.

اللمّة التي كانت تُقام كعيد داخل العيد، صارت اجتماعًا صامتًا حول شاشات صغيرة، يتبادلون الصور أكثر مما يتبادلون القصص، لم تعد الجلسات تطول حتى تُطفأ الأنوار، بل تُختصر لتلائم جدول كل فرد، وكأن الفرح نفسه بات مؤقتًا.

حتى العيدية، تلك العملة السحرية التي كانت تُسلَّم باليد، مُخضّبة بابتسامة و"خُد لك حاجة حلوة"، أصبحت تُحوَّل إلى رصيد في تطبيق بنكي، أو تُرسل عبر محفظة إلكترونية، انطفأ وهج المفاجأة، وسُرقت لحظة الاحتضان لصالح إشعارٍ بارد: "تم تحويل المبلغ".

لقد تغيّر كل شيء، حتى أصوات العيد، لم يعد يُنادي علينا أحد في الشوارع كما كان من قبل، لم نعد نسمع قرقعة الصحون، وضجيج الأطفال، وصوت المذياع يُدوّي بالأغاني القديمة، بات العيد صامتًا، يشبه تلك الصور التي نضعها على "بروفايل" ونتركها كواجهة لفرح لا نعيشه.

فهل لا يزال العيد عيدًا؟ أم أننا نمارس طقسًا آليًا، صاغته منصّات البيع والإعلانات الذكيّة؟ وهل يمكن لعيد بلا لمس، بلا صوت، بلا لهفة انتظار، أن يروي ظمأ القلب؟ لقد فقدت الأقمشة ملمسها، وفقدنا نحن القدرة على الفرح، لا لشيء، سوى أننا استبدلنا الحياة بصورتها، والمشاركة بالبث، والبهجة بالمنشور.