حاملة في حقيبتها ملابسها الرياضية، تصل أشرقت محمد إلى مركز شباب مدينة ناصر التابع لمديرية الشباب والرياضة، للتدريب على "الكاراتيه"، دفاعًا عن النفس واستغلالًا للوقت.
صراع اضطرت أشرقت ذات ال15 عامًا أن تخوضه كي تصل إلى هنا،
كي تقنع والدها الذي يرى أن ممارسة الرياضة "للرجال"، فما بالك برياضة يصفها بالعنيفة ك "الكاراتيه"؟
في سوهاج؛ لا يقتصر هذا التحدي على أشرقت، بل تواجهه غيرها من الفتيات ممن يفكرن أن يمارسوا أي نوع من الرياضة، ويتصاعد الرفض مع الألعاب القتالية تحديدًا، حتى وإن كان ذلك بغرض الدفاع عن أنفسهن من عُنف يتعرضن له.
استطاعت والدة أشرقت أن تقنع والدها بأهمية التدريب بالنسبة لها، تقول لـ"أهل سوهاج"، بينما تحمل في يدها زجاجة مياه تتناولها في وقت الراحة من التمرين: “من حق الفتيات ممارسة الرياضة ولا فارق بيننا والذكور، الأمر يحتاج إلى اجتهاد في التدريب بشكل قد نتفوق عليهم من الأساس".
اشتركت أشرقت في ثلاث بطولات، شغفها في الأولى لم يقودها لتحقيق فوز، وفي الثانية والثالثة حصدت المركز الثاني.
حين بدأت أشرقت التدريب كانت الأرض شبه ممهدة رغم الصعوبات المجتمعية، كأنها بدأت من حيث انتهى الآخرون، هذا ما رأيناه حين حاورنا نجوى جمال، مدربة الكاراتيه، وأول حكم نسائي في رياضة كرة اليد في سوهاج.
عانت نجوى كثيرًا من نظرة المجتمع، حتى رسخت لدورها في الصعيد، تقول لـ"أهل سوهاج": “أحب ممارسة الرياضة منذ طفولتي، ولكن للأسف ليس متاح هنا سوى كرة القدم، التي يمارسها الأطفال في الشوارع، وهذا بالطبع غير مسموح للفتيات".
حين دخلت جامعة سوهاج، لم تترك نجوى رياضة إلا وخضعت للتدريب فيها ومنها رياضات: “تنس الطاولة، الجري، كرة القدم"، ساعدها المشرفون على النشاط الرياضي بالجامعة.
تضيف نجوى: “زاد اهتمامي بممارسة الرياضة المختلفة، حتى تخصصت في رياضة الكاراتيه، أمارسها بعد العمل، وأسدد رسوم التدريب من مصروفي الشخصي، لكنها رياضة لم نعتدها كفتيات، لم تنتشر نتيجة للأفكار المجتمعية الخاطئة، وخاصة في قرية نجع النجار التي انتمي إليها، مثل الاعتقاد أن ممارسة الرياضات العنيفة سيعرض حياة الفتاة إلى الخطر ويعيقها عن الإنجاب".
بحثت نجوى كثيرًا عن حقيقة هذه الأفكار، حتى رأتها خاطئة، وحين بدأت التدريب فوجئت بسيل من الأسئلة بخصوص الرياضة، فكانت ترد بتصحيح الأمر.
يتفق معها عبدالله صبري، كابتن مساعد في مركز مدينة ناصر، موضحًا أن كثير من الرفض المجتمعي لممارسة الفتيات للرياضة يأتي بالأساس بسبب أفكار مغلوطة منتشرة، يقول: “هذه الرياضات أساليب دفاع عن النفس للجنسين، وخاصة الإناث، فضلًا عن أنها تبني الجسد بشكل سليم".
لكنه أشار إلى أن بعض العائلات تدعم بناتها لممارسة الرياضة وهو من الإيجابيات، على الرغم من وجود بعض السلبيات التي نحاول تصحيحها من أجل الأجيال القادمة.
وكدليل على كلام صبري، قام والد نجوى بدعمها، وهو أمر دائمًا ما كان مثار غضب ورفض أشقائه، وقد أثروا عليه في رفض محاولة نجوى الاشتراك في بطولة الجمهورية، وبعد محاولات عديدة خضعت إرادتهم لطلب ابنة أخيهم.
مثل والدها، حازت نجوى دعم الأم، حين وجدتها تتعرض لانتقاد من أهل قريتها، وتعجب لممارستها رياضة عنيفة مثل الكاراتيه، قالت لها: “اعملي اللي شيفاه صح، طول ما مفيهوش حاجة تغضب ربنا".
ليست التقاليد فقط هي ما عانت منه نجوى، ولكن سوء التغذية أيضًا، تقول: “المجتمع الذي أعيش فيه ليس لديه أية ثقافة عن الأكل الصحي، ذهبت لطبيبة تغذية لحل المشكلة، لكن لم استطع الاستمرار في برنامج غذائي، فالطعام الصحي مرتفع الثمن، وأنا اتحمل جميع المصروفات من مالي الخاص".
للأسف بعد كثرة الانتقادات، اضطرت نجوى للتوقف عن ممارسة رياضة الكاراتيه، مفضلة التدريب داخل صالات "الجيم"، لكن سرعان ما عادت كي لا تفقد ما حققته.
خضعت نجوى لدورات تدريبية رسمية في الكاراتيه، تقول: “لم أتخيل المشاركة أو حتى توفر المصروفات، بعد ذلك قمت بتدريب الأطفال".
كيف أصبحت نجوى مدربة؟.. تقول عن ذلك: “أثناء تدريبي وجدت رغبة لدى فتيات كثيرات لممارسة الكاراتيه، لكنهن لم يجدن مدربة، كان هذا ما شجعني على الاستمرار في التدريب، وأنا الآن عضو في لجنة القيد والاختبارات".
وحصلت نجوى على عدة مراكز في بطولات جمهورية، منها المركز الثالث في مسابقة بطولة الجمهورية "تمهيدي قطاع جنوب الصعيد الكوميتيه فردي" آنسات وزن 68 كجم للمرحلة السنية فوق الـ 18 للموسم الرياضي 2020-2021.
للأم في حياة ابنتها الكثير، فهي صندوق الأسرار، تقول لـ"أهل سوهاج" سحر عبدالمعز، والدة دانة مصطفى، لاعبة الكاراتيه التقليدي، 6.5 سنوات: “والد دانة لم يعترض على ممارستها لرياضة الكاراتيه، هي ذات طبيعة انطوائية، وهدف ممارسة هذه الرياضة أن تتخلص من هذا، وتستطيع التعامل مع الناس وهو ما ألاحظه الآن، وهذه الرياضة تساعدها في الدفاع عن نفسها إذا تعرضت لموقف ما يستلزم لك".
يشير مصعب ناصر، مدرب كاراتيه في نادي المحليات، إلى عائق آخر أمام الفتيات في ممارسة الرياضة وهي رفض الأهالي لتدريب فتياتهم إذا كان المدرب رجل.
بينما يضيف هشام إبراهيم، مدرب كاراتيه تقليدي : “في وقتنا الحالي هي أمر هام للفتاة حتى تستطيع الدفاع عن نفسها عند التعرض لأي موقف ".