في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا، تصبح بعض التحديات غير متوقعة، فلم أكن أظن أن واحدة من تلك التحديات ستنشب بيني وبين الكتاب الإلكتروني، خاصة وأنا أستعد لمسابقة تحدي القراءة العربي، حيث يفترض أن تكون القراءة أيًا كان شكلها، حليفًا لا خصمًا، ومع ذلك وجدتُ نفسي أمام تجربة مختلفة تمامًا: كيف أقرأ بنفس الكفاءة والاندماج عندما يتحول الحبر إلى ضوء، والورق إلى شاشة؟
وكان التحدي الأهم، بين خيار السرعة وعقبة التكلفة، هو الإجابة عن سؤال: "أين أجد كتابي؟".
فعندما بدأت رحلتي مع الكتب الإلكترونية، كان التحدي الأول العثور على نسخة إلكترونية موثوقة، فلم تكن جميع الكتب متاحة بسهولة، حيث تتيح بعض المنصات الرسمية إمكانية الشراء أو الاستعارة الرقمية، هناك كتب لا تتوفر إلكترونيًا على الإطلاق، مما جعلني أبحث عن بدائل أخرى.
في المقابل، الكتب الورقية متاحة دائمًا، لكن أسعار بعضها باهظة الثمن، خاصة عند البحث عن إصدارات حديثة أو مترجمة، مما يجعل الخيار الإلكتروني أحيانًا أكثر توفيرًا.
الشاشة كخصم: القراءة أم المعاناة البصرية؟
بمجرد تخطّي عقبة العثور على الكتاب، واجهتني مشكلة أخرى لم أكن أتوقع حجمها؛ الشاشة نفسها، القراءة الطويلة على الهاتف أو الجهاز اللوحي، فلم يكن استخدامه مريح بالنسبة إليّ، فبعد بضع صفحات، كنت أشعر بإجهاد في العين ورغبة في إغلاق الكتاب، ليس بسبب المحتوى، ولكن بسبب الإضاءة المستمرة التي لم أعتد عليها في القراءة المطولة، جرّبت تعديلات لا نهائية، منها الوضع الليلي وتقليل السطوع وتغيير الخطوط، لكن المشكلة لم تكن في الإعدادات، بل في التجربة ذاتها.
التفاعل مع النص: عندما يفقد الكتاب روحه
اعتدتُ منذ زمن على قراءة الكتب وقلم في يدي، أضع ملاحظاتي، أرسم الخطوط تحت العبارات المهمة، وأملأ الهوامش بأفكاري، أما مع الكتب الإلكترونية، تحولت هذه العادة إلى تفاعل رقمي بارد: زر لـ"التظليل"، آخر لـ"إضافة الملاحظات"، لكن أين الإحساس الحقيقي؟ لم أعد أشعر بتلك العلاقة الحميمية مع الكتاب، حيث تصبح الصفحات سجلًا لحواري الداخلي مع النص.
والأصعب من ذلك كان التصفح العشوائي في الكتاب الورقي، فكنت أُقلّب الصفحات بسهولة، أجد المعلومة التي أبحث عنها حتى لو لم أتذكر رقم الصفحة، أما في الكتاب الإلكتروني، فقد وجدت نفسي مضطرًا لاستخدام ميزة البحث، التي لم تكن دائمًا دقيقة، مما جعل التجربة أقل كفاءة وأكثر إحباطًا.
محاولة لم تنجح: الكتب الصوتية
بعد هذه التحديات، قررت تجربة الكتب الصوتية، فهي بديل حديث وسهل الوصول إليه، لكن هذه المحاولة لم تنجح معي أيضًا، صحيح أن الاستماع للكتب كان مريحًا في بعض الأوقات، لكنني لم أشعر بنفس التركيز والاندماج، كما يحدث عند القراءة التقليدية، فلم أتمكن من إعادة قراءة الجمل التي تحتاج إلى تأمل، ولم أجد في الاستماع نفس الإحساس بالتفاعل مع النص.
سحر لا يُمحى
لا شك أن الكتب الإلكترونية قدمت حلولًا مذهلة، لكنها لم تستطع حتى الآن أن تحل محل التجربة الفريدة للورق، ربما يكون المستقبل مختلفًا، وربما سأعتاد يومًا ما على القراءة الرقمية كما اعتاد غيري، لكن في الوقت الحالي، أجد نفسي أعود إلى الورق، كلما احتجتُ إلى القراءة بكل حواسي، وليس بعيني فقط.
ففي نهاية الأمر، القراءة ليست مجرد كلمات تُلتهم، بل تجربة تُعاش؛ رائحة الورق، ملمس الصفحات، وصوت تقليبها، وربما مهما تقدمت التكنولوجيا، سيبقى للكتاب الورقي سحرٌ لا يُمحى.