يميل الإنسان إلى الاستقرار بشكل كبير، لا يفضل ترك منطقة الراحة التي يعرفها، يخشى التجربة والتغيير، ويخاف الفشل والنتائج المجهولة.
وهذا سؤال يطرحه عقلي كل يوم؟.. لماذا يخاف الإنسان من التغيير؟.. لا أعرف إجابتي صحيحة أم خاطئة، هل التغيير يحتاج إلى مزيد من الصبر وتحمل النتائج؟.. أم أن الخوف كله هو من رد فعل الناس في تقبل التغيير؟
هذا شعور لا يقتصر على الإنسان العادي، حتى في الفن القائم بالأساس على التجريب والإبداع أجد فنانين يفضلون البقاء في مساحة أدوار معينة طالما أنها حصلت على إعجاب الجمهور، سواء في رواج العمل الفني على منصات التواصل الاجتماعي أو في الإيرادات بدور العرض السينمائي.
هم يفضلون البقاء في منطقة الراحة التي صنعوها وحققوا فيها نجاحًا واشتهروا بأسماء الشخصيات التي قدموها، ومع تكرار نمط الشخصية والدور الذي قدموه في أكثر من عمل فنى نسى المشاهد أسمائهم الحقيقية.
وحين قرروا التغيير خيّب الحظ ظنونهم، ولم تحقق أعمالهم اهتمامًا يُذكر، لذا سرعان ما عادوا إلى منطقة الراحة، ومضوا في تقديم نفس الشخصيات النمطية التي أحبها الجمهور وتعلق بها.
في قائمة الفنانين الذين أراهم حاولوا التغيير ولم ينجحوا فيه، الفنان محمد صبحي، الذي قرر الخروج من عباءة شخصية "ونيس" والتي حقق بها نجاحًا بين المشاهدين وأنتج منها ثمانية أجزاء، وقدم عدة أفلام لم تنل حظها من الشهرة مثل فيلم "بطل من الصعيد" إنتاج عام 1991، ومسلسل "رجل غني فقير جدًا" إنتاج عام 2007.
ولعنة الخوف من التغيير طالت أيضًا فريق عمل "صبحي" في "ونيس"، فهو مثلًا لم يغير الممثلين في أغلب مسلسلاته، وهم نفسهم الذين مثلوا معه في مسرحياته القديمة، وبرنامجه "مفيش مشكلة خالص" الذي قدم قضايا مجتمعية في صورة مسرحيات، ومنهم الفنانين: “هناء الشوربجي، عبدالله مشرف، ريم أحمد"، بالإضافة إلى الراحلة سعاد نصر والتي توفت عام 2007، لذا صرت لا أتوقع ظهور صبحي سوى معهم فقط.
يأتي الممثل محمد سعد ضمن القائمة، إذ حقق نجاحًا كبيرًا بشخصيات نمطية في سلسلة أفلام "اللمبي، اللي بالي بالك، عوكل، بوحة"، ولم يحالفه الحظ الكافي من النجاح حين قرر مغادرة منطقة الراحة في أفلام مثل "شمس الأنصاري" إنتاج عام 2012، والذي أدى فيه سعد قصة مبدعة بتميز، ومسلسل "إكس لانس" في رمضان 2023، والذي لم أسمع أحدًا ما يتحدث عنه أصلًا، وقبلهم فيلم "الكنز" إنتاج 2017 وهو بطولة مشتركة مع محمد رمضان وهند صبري، والذي حقق فيه سعد اختلافًا بارعًا.
بعد ذلك يأتي أشرف عبدالباقي أو عادل "دوله" في "ست كوم" “راجل وست ستات"، ورغم محاولاته الخروج من إطار الشخصية، إلا أنه لازال معروفًا بها، حتى بعد النجاح الذي حققته تجربة "مسرح مصر"، وكانت آخر أعماله التليفزيونية الجزء العاشر من "راجل وست ستات"، بعدها فكر في التغيير، واهتم بالمسرح.
وأعتقد أن مشكلة عبدالباقي قديمة، إذ لم يستطع تحقيق نجاحًا في معظم أعماله والحصول على دور بطولة جيد تتذكره أذهان الجمهور، وظل محصورًا في مساحة الأدوار الصغيرة بالرغم من إبداعه فيها، ولم يحقق النجاح الكافي مثل "دوله".
هؤلاء أكثر ثلاثة فنانين رأيت في تصوري ارتباطهم بالشخصيات التي قدموها، ولكن هناك من غلبت شخصيتهم الأساسية على التي جسدوها، مثل الراحل سمير غانم صاحب نفس اللهجة والتعبيرات وطريقة الكلام، فلا تكاد تشعر بتغيير عن شخصيته الرئيسية، وأيضًا عادل إمام وحركة رفع الحاجب في أعماله رغم تنوعه بين الدرامي والكوميدي والأكشن، لكن في كثير من اللقطات تظهر شخصيته المرحة الكوميدية، أو المتحررة لفظًا وفعلًا.
وهناك فنانين في أدوار ثانية لازالوا في منطقة الراحة، فمثلًا معظم الفنانات أصحاب الوزن الكبير يتركن هذا عرضة للسخرية وإطلاق النكات، ومنهم "ويزو" أو "دينا محسن" التي لا يمر مشهد لها في عمل فني إلا ويسخرون من وزنها، و"شيماء سيف" التي لا يخلو لقاء تليفزيوني من سؤال عن وزنها وهل تفكر في إنقاصه أم لا؟
ولا أعلم هل عدم تحقيق فنانين لنجاح وشهرة بعد مغادرة مناطق الراحة مجرد صدفة أم سوء حظ؟.. أم أن التغيير قرار صعب يحتاج دراسة وتفكير؟، وما هو سر عودة هؤلاء الفنانين لأدوارهم النمطية.. وهل مخاوف الإنسان من الفشل تمنعه من التفكير؟
صحيح أن الأمثلة التي ذكرتها قليلة، ولكنها تشكل حالة يقع فيها الكثيرون في حياتهم العادية، فمنطقة الراحة تحتم على الإنسان الخوف من الخروج منها والتغيير.. فهل تستطيعون مقاومة مخاوفكم وخوض تجربة جديدة نتائجها مجهولة؟