"هي سوهاج ليه ما فيهاش سينما؟".. سؤال يحتلّ تفكيري عندما أشعر بالملل، خاصة في أيام العيد والعطلات الرسمية، فكمّ تمنيتُ وجود سينما في المحافظة التي أعيش فيها، كمّ كنت أتمنّى أن ألتقط داخل قاعة السينما بعض الذكريات مع أصدقائي أو عائلتى، كمّ أحلم بتلك الساعات القليلة التي أقضيها أمام شاشة عرض كبيرة لأسرق بعض التفاصيل الصغيرة من عالم مختلف، أستطيع من خلاله الهروب من ضغوطات الحياة والواقع المرير إلى تلك الصالة المعتمة التي تخلو من الضوضاء، وتعزلني عن العالم الواقعي وتنقلني إلى عالم ساحر.
ولكن كيف لمُحافظة مثل سوهاج ألّا تمتلك دور عرض سينمائي حاليًا، وهي تمتلك تاريخًا عميقًا للفن، حيث خرج منها الفنان جورج سيدهم، وهو من أوائل الفنانين الذين خاضوا رحلة الفن فى مصر مع بدء الإرسال التلفزيوني فى أوائل الستينيات، وواحد من فناني فرقة ثلاثي أضواء المسرح.
جورج ابن مركز جرجا، ليس الفنان الوحيد من محافظة سوهاج، بل توجد عدّة نماذج لا تقل أهمية عنه في الوسط الفني، فمن فناني مُحافظة سوهاج عماد حمدي، فتى الشاشة الأول، الذى قام ببطولة العديد من الأفلام الهامة في السينما المصرية مثل خان الخليلي، ثرثرة فوق النيل، سواق الأتوبيس، بين الأطلال، إذ قدّم أكثر من 400 فيلم من أعمق وأهم الأعمال المصرية.
والفنان حمدي أحمد الذي التحق بفرقة التليفزيون المسرحية عام 1961، وفاز بجائزة أحسن وجه جديد عام 1966 عن دوره فى فيلم القاهره 30، كما شغل منصب مدير المسرح الكوميدي عام 1985.
لم يقتصر نجاح أبناء سوهاج فقط في التمثيل، فقد خرج من جزيرة الشورانية بمركز المراغة واحد من أهم المخرجين الذي ارتبط اسمه بقضايا المواطن المصري البسيط وحقوقه، وهو الفنان عاطف الطيب.
ورغم كل هذا الإرث لفناني سوهاج، يظل أبناء سوهاج محرومون من متعة تجربة السينما في ظل عدم وجود دور سينما بالمحافظة، فيما كان بسوهاج في خمسينيات القرن الماضي حوالي ست دور سينما، بينها ثلاث سينمات في مدينة سوهاج نفسها، وسينما فى مركز جرجا، واثنين بمركز طهطا، أُغلقت جميع السينمات وبُني مكانها أبراج سكنية، فيما عدا سينما أوبرا التابعة لوزارة الثقافة التي أُغلقت عام 2010، وتحوّلت إلى مكان مهجور حتى الآن.
إلى متى ستظل سوهاج بدون سينما ؟، هل كل الأجيال المقبلة ستُحرَم من ذاك الشعور المختلف المليء بالذهول والإعجاب المُتكرر الغير مُفسّر في كل مرة سيدخلون فيه للسينما ومشاهدة شخصيات ونماذج وأفكار مختلفة عن محيطهم على شاشة ضخمة؟، يبدو أن الإجابة أنهم سيُحرمون من رحلات الخيال وفرصة الهروب من الواقع والبقاء لساعتين أو ثلاث ساعات فى عالم يفصلهم عن العالم الخارجي.
رغم أن البعض يرى الأفلام مجرد أعمال مسلية يقتل بها وقته، فإنها في حقيقة الأمر تعمل على تثقيفه وتحريك ذهنه بالأفكار والمشاعر، إذ أنه يتعاطف، ويغضب، فتدفعه إلى التغيّر، فلا تتوقف السينما بدورها على تسلية الأفراد فقط، فالمجتمعات تُبنى فكريًا من واقع ما تعرضه لشبابها.
وجود سينما في سوهاج فكرة تمنيّت وجودها، فمن المؤكد أنه لا يوجد أحد لا يرغب في مكان يجمع بين المتعة والوعي والثقافة مع تجمّع الأصدقاء والأسرة في مكان واحد، لمشاهدة عرض سينمائي، والانعزال عن العالم الخارجي.