تزييف الحقيقة أمام المدير.. تجربة ذاتية عن المسؤولية والواقع

تصوير: تصميم/ باسم حنيجل

كتب/ت فاطمة محمد
2025-03-09 11:00:06

في أحد الأيام، كنت في مكان حكومي ينتظر زيارة مدير مهم، وهو حدث يفترض أن يكون فرصة لعرض الإنجازات الحقيقية وتقديم صورة صادقة عن الوضع. لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، طُلب منا نحن طالبي الخدمة في تلك المؤسسة الحكومية أن نقول أمام المدير أمور لم تحدث في الواقع، وأن نرسم صورة وردية غير حقيقية. 

رفضنا ذلك، لكن الأمر جعلني أتساءل: هل يعلم المدير دائمًا الحقيقة؟ أم أن من حوله ينقلون له صورة مزيفة عن الواقع؟.

في كثير من الأحيان، لا يكون المدير على علم بالتفاصيل اليومية لما يجري تحت إدارته، بل يعتمد على التقارير والمعلومات التي تصله من تابعيه، وإذا لم تكن هذه التقارير صادقة، فإنه سيتخذ قرارات بناءً على واقع مضلل.

ما حدث معي جعلني أدرك كيف يمكن تضليل المدير، سواء كان ذلك عن قصد لحماية المصالح الشخصية لمن حوله، أو بدافع الخوف من ردود الفعل، أو حتى من باب التزيين والتجميل المبالغ فيه للواقع. 

هذا الخلل في نقل المعلومات لا يقتصر أثره على القرارات المتخذة، بل يمتد ليؤثر على ثقة المواطنين في قيادتهم.

في القانون المصري، هناك قواعد واضحة تحدد مسؤولية المدير عن أفعال مرؤوسيه، سواء كان في الحكومة أو أي مؤسسة أخرى، ومن أهم القوانين المادتان: "144 و159"

وكذلك القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة، والقانون رقم 10 لسنة 2021 بشأن مكافحة الفساد.

لا تقتصر مسؤولية المدير على تلقي المعلومات، بل هو ملزم قانونيًا وأخلاقيًا بالكشف عن الحقيقة واتخاذ ما يلزم لضمان وصول الصورة الصحيحة إليه، وهذه المسؤولية تشمل عدة جوانب منها التحقق من المعلومات قبل اتخاذ القرارات، ومحاسبة المسؤولين عن تزييف الواقع إذا ثبت أن بعض التابعين يقدمون معلومات زائفة.

وتعزيز ثقافة الشفافية داخل المؤسسة ووضع آليات تمنع التلاعب بالمعلومات، مثل إنشاء لجان مستقلة لمراقبة الأداء، وتوفير قنوات اتصال تتيح لأي فرد داخل المؤسسة والتبليغ عن أي محاولات تزوير أو تضليل.

وتعد الزيارات الميدانية المفاجئة إحدى الوسائل الفعالة لاكتشاف الحقيقة، إذ تُمكِّن المدير من النزول إلى أرض الواقع، حيث يمكن للمدير أن يرى بنفسه ما يجري بدلًا من الاعتماد فقط على التقارير الرسمية، وكذلك الاستماع إلى جميع الأطراف، لا إلى مجموعة محددة فقط.

غالبًا ما يُحيط بعض المسؤولين المدير بأشخاص ينقلون له صورة غير مكتملة للواقع، مما يجعله بحاجة إلى تنويع مصادر معلوماته من خلال الاستماع إلى مختلف الفئات داخل المؤسسة وخارجها.

ومن خلال تجربتي الشخصية، أدركت أن المدير قد يكون أحيانًا ضحيةً للمعلومات المغلوطة التي ينقلها تابِعوه، لكن ذلك لا يعفيه من المسؤولية، إذ يفرض عليه القانون التحقق من الحقيقة ومحاسبة المتسببين في أي تزييف أو تضليل. 

الشفافية والمساءلة ليست مجرد مبادئ نظرية، بل تمثل الركيزة الأساسية لأي إدارة ناجحة، سواء في مؤسسة صغيرة أو على مستوى دولة بأكملها.