صرخة "مونيك"

تصميم: محمد صلاح

كتب/ت إسراء عبد المنعم
2025-03-17 10:44:14

على ضفاف الذاكرة البصرية للإنسانية، تقف لوحة "الصرخة" للفنان النرويجي إدوارد مونيك كأحد أعظم الأعمال الفنية التي جسّدت القلق والاضطراب الوجودي. ليست مجرد رسم على قماش، بل هي تجسيد لحالة إنسانية صامتة تحمل في طياتها أسئلة بلا إجابات، مما جعلها رمزًا عالميًا للقلق والخوف من المجهول.

في مساء غائم من عام 1893، كان إدوارد مونيك يسير على جسر مع أصدقائه عندما اجتاحه إحساس مفاجئ بالقلق، وكأن العالم كله صرخ بصوت عظيم. المشهد من حوله كان سرياليًا: سماء حمراء ملتهبة، مياه تعكس لون الدم، والإحساس بالعزلة والرهبة يحيط به. هذه التجربة الحسية والروحية كانت الشرارة التي أطلقت "الصرخة"، فجاءت اللوحة تجسيدًا للحظة زمنية مشحونة بالعاطفة، حيث تتوسطها شخصية غامضة ذات ملامح مائعة، تُمسك وجهها بصدمة، وفمها مفتوح في صرخة خالدة.

رسم مونيك أربع نسخ من اللوحة: نسختان بالألوان ونسختان بالباستيل، حيث توجد النسخة الأولى (1893) في المتحف الوطني للنرويج بأوسلو، بينما يحتفظ متحف مونيك بالنسختين الثانية (1893) والرابعة (1910)، أما النسخة الثالثة (1895)، فقد بيعت عام 2012 مقابل 119مليون دولار لرجل الأعمال الأمريكي "ليون بلاك" في مزاد سوثبي للفن الانطباعي والحديث.

كان العنوان الأصلي للوحة باللغة الألمانية "صرخة الطبيعة" (Der Schrei der Natur)، بينما كان عنوانها النرويجي ببساطة "Skrik"، الوجه المتألم في اللوحة أصبح من أكثر الصور الفنية شهرة عالميًا، ويُنظر إليه كرمز للقلق الإنساني والاضطراب النفسي.

تتجلى في اللوحة خطوط مُتعرّجة تمنح إحساسًا بالاهتزاز وعدم الاستقرار، وكأن الكون نفسه في حالة تأرجح؛ السماء المتوهجة، المياه الداكنة، الجسر القاتم، والأصدقاء الذين يسيرون بلا مبالاة في الخلفية، جميعها تعزز شعور العزلة، وكأن الشخصية تعيش تجربة وجودية منفصلة عن الآخرين، كل عنصر في اللوحة نابض بالحياة، مما يجعلها تبدو وكأنها أكثر من مجرد عمل فني، بل لحظة مجمدة تحمل مشاعر القلق والخوف التي يشعر بها كل إنسان في لحظة ما.

تحولت "الصرخة" إلى رمز ثقافي عالمي؛ استُخدمت في السينما والإعلانات، وحتى في الرموز التعبيرية (Emoji) على الهواتف الذكية، مما يعكس تحول صرخة مونيك إلى صرخة الإنسان الحديث، في مواجهة العزلة وفقدان اليقين في عالم متغير.

عند عرضها في المزاد في مايو 2012، بيعت اللوحة بـ119 مليون دولار، مما جعلها واحدة من أغلى الأعمال الفنية في العالم، كما صرح يورون كريستوفرسن، الناطق باسم متحف مونيك، بأن "الصرخة" عمل فني لا يُقدّر بثمن.

تبقى "الصرخة" واحدة من أكثر اللوحات تأثيرًا في تاريخ الفن، لأنها لا تقدم إجابة بقدر ما تثير التساؤلات: هل هي صرخة خوف؟ أم صرخة وجود؟ أم مجرد انعكاس لاضطراب داخلي يعيشه كل إنسان؟ قد لا نعرف الإجابة، لكننا جميعًا نشعر بها.