اعتدّنا في عيد الأضحي المبارك عندما كنا صغارًا أن تجتمع "شِلتنا" بعد صلاة العيد، مرتدين ملابسه الجديدة، ثم التحرك للوصول لمحل معين يسمى "القط"، محل قديم للجزارة خرجنا إلى الدنيا ووجدناه، نذهب إليه مع أصدقائنا الأكبر سنًا، ثم صرنا نذهب إليه بمفردنا، وفي الطريق بعد الصلاة إليه كنا نصدح بأغاني العيد من أمثال "خروفي يا خروفي لابس بدلة صوفي له قرنين وأربع رجلين".
"القط" هو المكان الرئيسي لدينا هنا في المنطقة، والذي يحشِد إليه الأهالي ذبائحهم للتضحية، هو أشبه باحتفال داخلي لنا نحن أطفال وشباب المنطقة، إذ نجتمع ونشهد إحدى الشعائر الدينية التي يتميز بها عيد الأضحى.
ثم ندندن أغنية "بكرة العيد ونعيد وندبحك يا شيخ سيد"، في مرة تصادف مرور رجل في المنطقة عندنا يسمى "الشيخ سيد"، كنا نمشي بجواره ونغني فيغضب ويسبنا، ثم نردد أغنية "جانا العيد سعد نبيهه"، وغيرها من أغاني الفُلكلور الشعبي الخاصة بالعيد.
نجد أفواجًا من الأطفال حين نصل إلى محل "القط"، فهناك أصدقائنا في المدرسة أو الدروس الخصوصية، أو أصدقاء مناطق أخرى زرناها سابقًا، وهناك أيضًا الكبار الذين ينتظرون ذبيحتهم لحين الانتهاء من تقطيعها.
ثم يبدأ الجزار وتابعيه أو مساعديه في جلب أولى الأضاحي من العجول، هنا تبدأ مرحلة الإثارة والتشويق للأطفال، ويبدأ كل منهم في توقع وتخيل ما ستفعله الذبيحة، وهل ستقوم بركل أحد أو أنها ستستلم للذبح وماذا ستفعل بعد النحر، كل واحد يسرد التوقعات حتى يتم النحر، فيظهر للعيان من أصاب توقعه ومن أخطأ.
هذه المشاهد البسيطة هي طريقة الاحتفال بالعيد في منطقة "كيما"، في هذا الوقت تجد الضحكات تصدح في الطرقات مع كل حركة أو إيماءة، هكذا كنا نفرح خصوصًا مع تجمعاتنا واحتفالاتنا سويًا، التي ننتظرها من السنة إلى السنة، ونحكي عنها مع أصدقائنا ممن يشهدوها.
هذا العام، لا أعلم ما هي الذكريات التي من الممكن أن أعايشها، فمحل "القط" أغلق أبوابه ورحل عن المكان، لا نعرف سببًا واضحًا هل بسبب الضغوط الاقتصادية أم بحثًا عن مكان آخر للاستقرار؟
لا أعلم أين سأشهد هذه التجمعات مرة أخرى، خاصة وارتفاع الأسعار يُخيم على الاستعداد للعيد لدى الجميع هنا بالأساس في "كيما"، وكثير ممن اعتادوا على التضحية قرروا التوقف هذا العام أو المشاركة.
أما الصغار من عائلتي أو أبناء الجيران أو المنطقة، فلن يشهدوا هذه التجمعات حتى وإن حكينا لهم عنها، فقد رحل "القط" وصبيانه، وقد تكون احتفالاتهم مُجرد أن يشاهدوا كل هذا عبر هواتفهم على "السوشيال ميديا".