من أنا؟!
سؤال قد يبدو غريبًا، لكن يجب على كل شخص أن يبحث عن جواب على هذا السؤال، فنحن نولد بفضول وشغف لاكتشاف العالم، ومعرفة ما إذا كنا حقًا نريد أن نكون من نحن عليه؟، أم هي رغبات أشخاص آخرين، يستخدموننا لتحقيق آمالهم؟، أم نُلقّن موروثات الأبوين الفكرية؟، فنرى العالم بعيونهما لا عيوننا. ما يجعلنا نشعر باستحقاقات مزيفة، حول المال أو السلطة أو الجمال الخارجي، أو بشخص يقبل بنا في علاقة.
قد نتعلق بمن يسلب أنفسنا ولا نعرف السر، فكيف نتعافى عاطفيًا إذا لم نكتشف الشفرة التحليلية؟ كيف نعرف إذا ما كنا مجرد أشخاص احتياطيين لدى من نضعهم في خانة "الأولويات"؟ كيف ننضج؟ وهل نخاف المواجهة لأننا تعلمنا مراعاة شعور الآخرين على حساب أنفسنا؟
إجابات كل هذه الأسئلة.. قدمها يوسف الحسني، طبيب نفسي، الذي اعتمد على المنهج التحليلي لاستعراض ما يعانيه المريض، خلف أبواب العيادة بأسلوبه الشخصي، في كتابه "عقدك النفسية سجنك الأبدي"، وقدم فيه تحليلًا نفسيًا ونتائج بحثية في العلاج الطبي السلوكي الإدراكي والتحليلي، وصدر عن دار نشر عصير الكتب في 2021.
15 عقدة نفسية، تناولها الكتاب في أبوابه، عرض خلالها "الحسني" الحالات الأبزر التي مرت على رحلته العملية كطبيب، كان أبرزها حالات ثلاث رئيسية، ربما يعاني منها أغلبنا.
الحالة الأولى كانت بعنوان "تشوه مفاهيم الرجولة"، وطرح فيها "الحسني" بعض الأسئلة المتعلقة بالرجال، والمبادئ التي تربوا بها كصبية، ما شكّل تفكيرهم بأن الرجل عبارة عن جبل لا يهتز أبدًا، فترسخت لديهم أفكار خاطئة، مثل عدم بكاء الرجال، وأن عليهم ألا يشتكوا من صعوبة الحياة، فدائمًا وأبدًا يجب أن يكونوا صامدين، بل وأحيانًا تُطبّق عليهم عقابات عنيفة من آبائهم، إذا بدت عليهم ملامح ضعف أو شكوى، أو خارت قواهم العاطفية والجسدية.
أما الحالة الثانية، فكانت بعنوان "صراع الأنوثة"، وقدم لنا الكاتب خلالها مثالًا حيًا، وعرض الكثير من الحلول، إذ تحدث عن "العنوسة"، وكيف أثر هذا المفهوم بالسلب على المرأة، مما دفعها إلى الزواج بأي شكل حتى تهرب من الوصم المجتمعي لها.
وشرح "الحسني" نتيجة هذه الأفكار، إلى أن أغلب السيدات يتزوجن من رجل غير مناسب لها، فتعيش في ندم أو خوف.
ناقش الكتاب أيضًا الحماية المفرطة والتسلط، المُوجهان ضد المرأة، وكيف تضر تلك القيم الخاطئة، كما شرح الحسني الأسس العلمية السوية للتعارف والإدراك العاطفي، التي تتمحور حول المدة والإدراك للشخص الذي تتعامل معه.
أما الحالة الثالثة، فتناولت "عقدة الشكل"، إذ تحدث الحسني عن تأثير الشكل الظاهري في حياتنا العامة، مما يفقد أحيانًا ثقة الإنسان بنفسه، بسبب تعلقه بالجمال الذي ينقصه.
وأعطانا الكاتب مثالًا لشخص يعاني بسبب شكله في مراحل عمرية مختلفة، ولكي يتخلص من التنمر الذي صاحبه سنوات طوال، اتجه إلى صالة الألعاب الرياضية لتكوين جسم رياضي، وذكر الكتاب مثال آخر بفتاة دائمًا ما قارنتها والدتها بأختها الأكثر جمالًا منها، مما أفقدها ثقتها بنفسها،.
وبسبب ذلك حاولت أن تشبه أختها في جمالها، باستخدام مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، فيما كان الحل الأفضل هو البحث عن كيفية تقبل كل منا لشكله، في قاعدة لخصها الكاتب بجملة: "كلما عاملت نفسك كقيمة زادت جاذبيتك وتقبلت ذاتك وشكلك".
وعلى الصعيد الشخصي، أثر الكتاب كثيرًا في إدراكي لبعض الأشياء عن طبيعة الإنسان وطريقة تفكيره، وكيف تسيطر البيئة أحيانًا على تصرفاتنا، وفي النهاية قدم لي "روشتة حلول"؛ تكمن في تحدي الصعاب التي أواجهها في حياتي، وتوظفيها لخدمتي وليس العكس.