تختلف مظاهر الاحتفال بشهر رمضان بين دولة وأخرى، فإن كانوا يتفقون جميعًا في صيام الشهر الكريم وبقية العبادات التي تصاحبه، إلا أن الأجواء ليست كما هي.
قضيت سنوات طويلة من حياتي في الكويت مع أسرتي، نقضي شهر رمضان هناك قبل أن نعود إلى مصر، وعندما عشت رمضان هنا أدركت أن الوضع "حاجة تانية" فعلًا.
في سوهاج، نبدأ في التجهيز لرمضان قبل حلوله بفترة، وذلك عن طريق تنظيف البيت وتزويد الثلاجة بما تحتاجها من طعام وتزيين المنزل بالفوانيس والزينة الرمضانية، ويشارك أطفال كل حارة في تزيين الشارع بعد جمع المال من كل بيت، ويبدأ الأطفال في آخر ليلة من شعبان بالاستعداد لحلول شهر رمضان واقفين أمام النوافذ ينتظرون مجيء المسحراتي ليعلموه بأسمائهم لينادي عليها.
كانت هذه هي المرة الأولى لي التي أرى فيها المسحراتي في سن الثالثة عشر من عمري، فهو يأت في الوقت الذي تكون فيه الأمهات واقفة في المطبخ تعد السحور، وبعد الانتهاء من السحور يتفرق الأولاد للعب في الشارع حتى آذان الفجر، ومع اقتراب الآذان يهلع كل من في المنزل ليشرب بعض الماء، ثم ينام الجميع بعد الآذان مباشرة.
وفي نهار اليوم التالي تقوم الأم بإعداد إفطار المغرب، وعند صلاة التروايح تتحرك كل العائلات إلى المسجد ليتقابل الأصدقاء والأخوة، ومع عودتهم إلى البيت تبدأ الأمسية المعتادة لتقديم أطباق الكنافة والزلابية والقطايف والبسبوسة وقمر الدين، ومشاهدة العديد من المسلسلات التي ارتبط عرضها بهذا الشهر.
ومع حلول المساء يجتمع الأطفال في الشارع ويقوموا بشراء الصواريخ والبمب وإشعالهم للمتعة، وفي العشر الأواخر من رمضان يبدأ الناس في تنظيف المنزل وغسل السجاد وعمل كحك العيد وشراء الملابس استعدادًا لحلول العيد.
كنت أشعر بالسعادة عندما رأيت كل هذه الأشياء لأول مرة، فلم تكن هذه المشاهد هي المعتادة لي لشهر رمضان، ففي الكويت تبدو الأمور مختلفة قليلًا؛ فرمضان يبدأ بشكل مختلف حيث تستعد السيدات والرجال لرمضان بطرق مختلفة، ففي اليوم الأخير من شعبان يقوم كل منزل بإعداد وجبة الغداء الأخيرة قبل دخول رمضان، وهو يسمى "يوم الكريش".
وفي هذا اليوم تقام وليمة من الغداء الفاخر ويجتمع حولها جميع أفراد الأسرة احتفالًا بآخر يوم قبل الصيام، ويكون السمك هو الوجبة الأساسية في هذا اليوم وذلك لكونه يسبب العطش مما يجعل أكله صعبا في رمضان، وقبل موعد الغداء بقليل تبدأ طرقات الباب تخرق آذان الجالسين، ليبدأ تبادل الأطباق بين الجيران والأقارب.
أما في النصف الثاني من رمضان فتبدأ أهم عادة وهي عادة "القريقعان"، وهي خاصة بالصبية والفتيات الذين يجوبون الفرجان "المناطق" في منتصف شهر رمضان بعد الفطور، فيرتدون الأزياء الرسمية لهذه العادة وهي القفطان، ويمسكون كيسًا من القماش المزخرف بطريقة معينة لجمع القريقعان وهو عبارة عن مكسرات وشوكولاتة وبيض ومشمش مجفف وقمر الدين، ويطرقون على البيوت مغنين الأغاني الخاصة بهذه الاحتفالية.
وصلاة التراويح تختلف عن غيرها، فاعتدت وأنا في سن الخامسة من عمري إدراك مظاهر الاحتفالات بقدوم شهر رمضان في دولة الكويت بالتحديد في محافظة الفراونية التي كنت أقيم فيها، حيث يقوم الجيران من مختلف الجنسيات بجمع بعضهم والذهاب لأقرب مسجد للصلاة.
يجتمع في المسجد الواحد الهندي والسوري والكويتي والفلبيني والباكستاني والمصري، ويتم توزيع الآيس كريم والحلوى والوجبات في المساجد عقب صلاة التراويح، ثم يجتمع الأقارب والجيران لتناول العديد من التحليات كلقمة القاضي وهي مشابهة للزلابية، والقرص العكيلي والتي تكون عبارة عن كيكة إسفنجية مميزة بنكهة السمسم والزعفران ويمكن حشوها بالتمر والدرابيل وهو عبارة عن تمر وحليب والهيل والقرفة والصودا وتؤكل باردة.
توزّع الأطباق على الجيران ويجلس الجميع للتسامر حتى معاد السحور وشرب القهوة بالهيل، وفي العشر الأواخر من رمضان يبدأ الناس في الاعتكاف في المساجد ويشتري الأهالي ملابس العيد استعدادًا للعيد وتبدأ الشيوخ بإعطاء الخطب والدروس بعد الآذان.