"آن آن قد آن أوانه".. في ليلة شتوية جميلة عام 2019 اكتشفت أغاني الشب جديد ودبور وهما من أبناء فلسطين من مطربي الـ "راب"، هناك يعرفهم الجميع بأغانيهم عن القضية الفلسطينية، أغانيهم ثورية تشحنك بطاقة شديدة تحفزك على الذهاب إلى القدس وتحريرها.
هذا تحديدًا ما فعله الفن الفلسطيني بي خلال السنوات الماضية، وهو الفن الذي يخرج من أبناء جيل الألفينات الذين ساهموا في توعيتنا بالقضية.
لسنوات كنت أشعر بانفصالي عن القضية الفلسطينية؛ لأن من هم أكبر مني عمرًا حضروا الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000، في ذاكرتهم محفور صورة استشهاد الطفل محمد الدرة فيما والده كان يحاول حمايته، صار الطفل أيقونة لهذه الانتفاضة، وفي آذانهم صوت الشهيدة شيرين أبو عاقلة.
ماذا عني أنا؟.. لا أعرف سوى البحث على "جوجل"، أغرق كل يوم في أرشيف جرائم الاحتلال حتى أصاب بالاكتئاب وانعزل عن العالم.. بل أكرهه.
لماذا لا يعتبرني الجميع مشتبكة مع الأحداث رغم غرقي فيها؟
مع أحداث حي الشيخ جراح في 2021 صار حسابي على منصات التواصل الاجتماعي بوابة تطل على الحي؛ بسبب متابعتي صفحات الفلسطينيين على "انستجرام".
كما تابعت منى الكرد وعائلتها، وهي صحفية درست الإعلام في جامعة "بيرزيت" بالضفة الغربية ومن أبناء الحى، عرفها العالم من خلال تغطيتها لأحداثه، واستيلاء الاحتلال على نصف منزلها هى وأسرتها، وتعرضهم لمضايقات من المستوطنين الإسرائيليين بشكل خاص، ثم برزوا كأسماء تعرضت للاعتقال من قبل الاحتلال، قبل أن ينضم اسمها وأخيها محمد الكرد ضمن 100 شخصية مؤثرة في العالم في مجلة تايم عام 2021، وهي قائمة تصدر سنويًا.
خرجت الكرد في بث مباشر وروت ضاحكة عن المرة التي ضربها فيها مستوطن وهي طفلة وكسر يدها، أثناء لعبها في الشارع، ورغم صعوبة ما قالته، لكنني نظرت إلى قوتها وصلابتها في الدفاع عن منزلها وأرضها.
قبل 10 أيام، استيقظت على طوفان الأقصى. لم تكن هي المرة الأولى الذي أتابع فيها قصف غزة أو مضايقات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لكني الآن أكثر وعيًا بالقضية واشتباكًا معها، أشارك فيديوهات هدم حائط الحصار على غزة، كأنني صرت جزءً من التاريخ، أشاهده وهو يكتب سطرًا جديدًا لنضال أبناء فلسطين المحتلة الذين أتابعهم لسنوات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأهتم بالفن الذي يقدمونه ويمزجونه بأحداثهم، أسمع أغاني دبور والشب جديد على فيديوهات "اشتباك" المقاومة مع الاحتلال.
"هتموت من الرعب من الأرض نطلع زي الجن.. بخ" كما وصف الشب جديد، نحن نطلع من الأرض كجيل لا يقوم بعمل مظاهرات في المدارس والجامعات؛ لكننا نقدم مظاهرات إلكترونية، نملأ "التايم لاين" بفيديوهات توثق جرائم الاحتلال، ونتواصل مع صفحات مثل "عين في فلسطين" التي يديرها شباب غزة ممن يصورون في الشارع ويرصدون القصف، نحن لغتنا مختلفة كليًا.
نعم.. "الطوفان طوفاني أنا وجيل الألفينات، الذي لديه أصدقاء بفلسطين، والذي يتلقى كل الأحداث بلغة جديدة، ويشارك معهم في الحرب بإمكانياته الجديدة، من خلال مشاركة فيديو أو تبرع بالدم أو تطوع، ومقاطعة ممثليه الأمريكيين المفضلين الذين خذلونا بدعمهم للاحتلال.. نحن الذين نحارب خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي العنصرية ونكتب بلغة مختلفة، أو نتبرع بخمسة جنيهات للمؤسسات الخيرية، كل ذلك من خلال هاتفنا الذكي الذي هو سلاحنا الوحيد".
كل الدعم للشعب الفلسطيني ولأبناء جيلي.