في ظل النقاشات التي تحدث عن إنتاج فيلم كيلوباترا الذي سيعرض على منصة "نتفليكس"، وأصل كيلوباترا والتاريخ المصري بشكل عام وإفريقيا وألوان بشرتنا المتعددة؛ تذكرت نقاشاتي وحربي مع الرجل الأبيض الأوروبي والأمريكي، الذي يعيش داخل مخي منذ وُلدت.
منذ عامين، بدأت إدراك النموذج الأمريكي الرأسمالي، ومدى هيمنته على تاريخنا المصري والعربي، وتأثيره على أفكارنا حتى هذه اللحظة التى أكتب فيها هذا المقال، واكتشفت أنه يعيش داخل مخي رجل أبيض أوروبي وأحيانًا يكون أمريكي يحكم على الأشياء، يشاركني فى اختيارتي، يقنعني أن الجمال هو الشكل الواحد الموجود فى قارته، وأن لون بشرتي هو الأقل والأسوء على هذا الكوكب، وكأن ذلك اللون حامل لوصمات عار متتالية عبر التاريخ، مدونة على جلدي الذي أصبحت أخشى منه ومن لونه.
اكتشفت أن ذلك "الكتالوج" الصغير زُرع فى عقلي منذ أن كنت طفلة، من الإعلام وصناعة السينما الأمريكية، والإعلانات التى تُظهر المرأة البيضاء النحيفة التى بالتأكيد ستخبر ذلك الرجل الأبيض أنها جميلة، ثم أنظر أنا إلى وجهي فى المرآة، وجه العابرين فى الشوارع والقدماء المصريين واتعجب، من أنا؟ من هم؟ لماذا هذه المرأة هى فقط من تظهر فى الإعلانات؟
أكبر فأعرف عن سوق العمل، الذي هو التغذية الحقيقية لذلك الرجل الأبيض كي ينمو أكثر داخل عقولنا، يخبرني ذلك الرجل أنه يجب أن أعمل أكثر، أجمع كل المال، أنجح فى دراستي وأكون الأولى، اتزوج، أنجب طفلين بنت وولد، وإذا كانوا ولد وولد أو بنت وبنت سوف تفشل المعادلة، الأهم أنه سيخبرني أنا من سأفشل، الرجل الأبيض يرى أنني فقط معادلة، رقم وسط العديد من الأرقام، بفشل المعادلة أفشل أنا، ويجب أن أنهي حياتي لأنها الآن غير مناسبة لهذه المعيار.
يتجلى الحلم الأمريكي عندما ينضم الكلب لهذه الأسرة السعيدة، ويعيشون في منزل واسع وجميل بحديقة، ذلك الحلم الساذج الذي يحلم به الرجل الأبيض، ويفرضه على أحلامي وآمالي، كي يكسب هو وأكون أنا المستهلك الذي يجري فى دوائر الرأسمالية ولا يقف لحظة، كي يحقق ذلك الحلم، حتى أن هذا الحلم فى أعماقه هو ذكوري وظالم للنساء، يطلب منهن أن يكن جميلات بالشكل الذي يقوله.
في ساحة معركة، قابلت الرجل الأبيض الذي يعيش داخل عقلي، كان صغير الحجم فعلًا كما تخيلت، وفي يده ذلك "الكتالوج" اللعين، اخترت في هذا الحلم أن أقتله، أن أتحرر منه، أتحرر من الاستهلاك وشراء منتجات سيئة تضر البيئة، وتحررت من المنزل الكبير والزوج والأبناء ولم أقتل الكلب، أخذت الكلب وقررت أن أعيش في الصحراء، أو في بيوت ضيقة فى الأحياء القديمة بالقاهرة، لأعود إلى تاريخي، إلى جلدي الأسمر.
في جزء كبير من تاريخنا كان يعيش المحتل داخل البلاد، رغم أنه أعلن الإجلاء منذ سنين عديدة، إلا أنه لن يُجلي من عقولنا، ترك لنا رجل أبيض صغير و"كتالوج" عن الحياة والجمال والتاريخ ولون البشر يجب أن نتّبعه، وحلم أمريكي ساذج يجب أن نحققه، وتاريخنا الذي ما زال يستخدم سلطته حتى يرويه بطريقته المشوهه، عن طريق فيلم على منصة من منصاته التي تشكل شكل جديد من رجل أبيض صغير سيعيش داخلنا مع الوقت.