بخفة أنغام موسيقية تُعبّر عن الطموح والتفاؤل، يُفتتح فيلم حياة الماعز "The goat life" بحلم الشاب "نجيب"، في السفر من بلده الهند، للشرق الأوسط، حيث أرض البترول، أملًا في مستقبل أفضل لابنه الذي لم يُولد بعد، دون أن يعلم أن تلك الرحلة، ستؤدي إلى اختطافه وإنهاء مستقبله، ليتحوّل من شاب طموح يبني أسرة، إلى مخطوف يحاول الهرب والنجاة من الكفيل والصحراء القاسية.
"الكفيل" أول كلمة عربية تتعلمها شخصيات الفيلم، وهي إشارة ذكية من صناع الفيلم عن اختيار الألفاظ وعلاقتها بالشخصيات، لتسرد موضوع الفيلم الأساسي، وهي علاقة الهنود بالكفيل السعودي، في رحلة لأكثر من ساعتين، نكتشف فيها أنها ليست مجرد كلمة جديدة تُضاف لقاموس الشخصيات من لغة أخرى.
تبدأ أولى مشاكل الشخصية الرئيسية "نجيب" ورفيقه "حكيم"، من لحظة وصولهم المطار، بسبب اللغة العربية التي يجهلونها، واللغة الهندية لايفهمها الشخصيات العربية بالفيلم ، لتظل الأزمة بين اللغتين قائمة كخط درامي أساسي في الفيلم، مُوظّف بحكمة وتقنية جيدة في الكتابة، مما أوضح الفرق بين اللغتين والثقافتين، والنظرة لكلا منهم.
النظرة للهنود بدأت من طريقة تعامل الكفيل معهم في المطار، الذي يكتشف نجيب وحكيم فيما بعد أنه ليس كفيلهما، وأنه قام باختطافهما للصحراء، ليرعوا الماعز والجمال، مُبتعدين عن حلم العمل داخل ناطحات السحاب وسط مدينة مُتقدمة، أملًا في مساعدة أسرهم بالمال، ومحاولة نجيب لمستقبل أفضل لابنه، فيرتطم بواقع أن حلمه سينحسر، ليُصبح حرب من أجل البقاء فقط، وينسى تمامًا أمر المستقبل، بعد أولى لحظاته في الحظيرة؛ حين قابل رجل عجوز هندي، اختطف بنفس الطريقة ويعيش في المكان لسنوات.
عبر مواقف درامية وجمل حوارية بسيطة، نكتشف علاقة الكفيل السعودي بالجنسية الهندية تحديدًا، بداية من طريقة تعامل الكفيل مع نجيب، الذي لم يعرف اسمه طوال الفيلم ولم يهتم، فقط كان يناديه بـ "يا الهندي"، وعندما بدأ نجيب في الاعتراض والبكاء وإعلان رغبته في المغادرة، أعطاه الكفيل قطعة خبز صغيرة، وبعد أن أكلها أخبر صاحب الحظيرة في جملة بارعة تختصر كل ما يريد أن يقوله بالفيلم "مو قلتلك جُعان.. عشان كده يصيح".
لغة جسد الكفيل في وقت تقديم الخبز كانت أشبه بلغة جسد تقديم الأكل للحيوانات، يتحدث عن نجيب كأنه حيوان يتذمّر من أجل الأكل فقط.
يحاول نجيب مرارًا الهرب، لكنه يفشل، وفي لحظات اليأس تُوظّف تقنية الاسترجاع "الفلاش باك" في علاقته مع حبيبته وزوجته، ذلك الجزء الرومانسي الخفيف الذي ينفصل فيه نجيب عن مأساته، كما تُقرّب المشاهد من نجيب بالتعرف على دوافعه للسفر إلى السعودية، حتى ذلك الاسترجاع كان موظف بطريقة جيدة وغير مملة، والقاسي في الأمر أن العودة من "الفلاش باك" تكون على واقع مر بالصحراء، وفي الأغلب سيكون ما يدور في ذهن المشاهد هي نصيحة من المستقبل لنجيب، أن يُكمل حياته في بلده ولا يفكر في ذلك الحلم فهو لا يعلم مصيره.
مشهد رؤية نجيب نفسه في مرآة إحدى السيارات، كان نقطة التحول الدرامي، يُدرك فيها نجيب مرور السنوات وتغير شكله، من الشاب الهندي بخصلات شعره المميزة وجسده مفتول العضلات، إلى كهل راعي ماعز بجسد متعب، لكن يعود له الأمل مرة أخري، حين يكتشف في جولته بالصحراء، أن حكيم موجود في حظيرة قريبة منه، ورفيقه في الحظيرة الذي سيساعدهما على الهروب لأنه يعرف الطريق، وهو إبراهيم ذي الأصول الإفريقية.
مع ظهور إبراهيم في الفيلم تظهر معه موسيقى أكثر تفاؤلًا، تتكرر في كل المشاهد التي يتذكر فيها نجيب زوجته أو يشعر ولو بقليل من الأمل في النجاة، وتبدأ رحلة الهروب في الصحراء في الثلث الأخير في الفيلم، القائد فيها هو إبراهيم، الذي اختير بتلك الجنسية تحديدًا وتلك البشرة السمراء رمزية واضحة لتشابه تاريخ عبودية الأفارقة والتاريخ الحديث لعبودية نجيب ورفيقه بالفيلم.
في رحلة قاسية بين الصحراء التي لا تنتهي، يموت حكيم بعد أيام من تحمل العطش والجوع، ويختفي إبراهيم بعد أيام تاركًا لنجيب زجاجة مياه غازية وتمرة، كانت تلك الزجاجة تُشير لشكل الحياة الحديثة في السعودية، التي بُنيت على أكتاف الهنود والجنسيات المشابهة.
على بوابة الطائرة المتجهة إلى الهند، يقف نجيب مُتأملًا السعودية، قبل مغادرتها، وهو يقول "في المطار وسط حشد من الوافدين ينظرون، بحقائب كبيرة مليئة بالعطور، وأجهزة التسجيل وأجهزة التلفاز"، لسنوات طويلة اشتهرت رحلة العودة من السعودية بشراء أجهزة التسجيل والعطور، وسرد قصص عن عدد الهنود العاملين بها، الذي يتفوق عددهم السكان الأصليين.
"إلى كل من فقدوا حياتهم في الصحراء".. هكذا انتهى الفيلم، ليشير إلى أنه مأخوذ عن قصة حقيقية، وأن السعودية تحمل هذا الجزء من العبودية الحديثة، الفيلم لقى انتقاد شديد من السعوديين، بعد أسبوع من عرضه على منصة "نتفلكيس"، إذ اعتبروه إهانة للشعب السعودي. الفيلم من تأليف وإخراج "بليسي إيبي توماس "، وهو صانع أفلام هندي.