رحلتي لاستكشاف الموسيقى وعالم الأغاني، بدأت من مرحلة الإعدادية، ومرت بمراحل عديدة؛ أول وأصعب مرحلة فيهم كانت تمسكي بنوع الموسيقى الذي أحبه، وأسمعه يوميً وأحفظه عن ظهر قلب.
عندما أتذكر هذه المرحلة الآن، أتذكر كيف كنت، وكيف كانت أفكاري، وكأن ما يخرج من سماعات هاتفي هو أنا.
من بداية ٢٠٢١، وفي رحلتي لجامعة حلوان، التي فرضت عليّ التواجد في المترو لساعة كاملة، تغير ذوقي في سماع الموسيقي، وأصبحت أريد المزيد، أصبحت أشعر أن روحي وأفكاري يريدون شيئًا آخر يشبه تحولات تفكيري، وتحولت قائمة الأغاني علي هاتفي إلى الراب بعد أن كانت بيتهوفن، وسيد درويش، وعنبة، وحسن شاكوش، و مسار إجباري، و إبراهيم معلوف، وعبد الوهاب، وفيروز.
عندما بدأت في سماع الراب سمعت الكثير وبعد تجربة العديد من الأصوات، وجدت خبرًا أصبح " تريند" لمغني راب اسمه مروان بابلو عاد من اعتزاله بأغنية "غابة"، في فبراير ٢٠٢١، استمعت للأغنية والفيديو كليب كنوع من الفضول، وأتذكر شعوري وقتها بالانبهار، وسألت نفسي لماذا لم أسمعه من قبل.
مرت الأيام، وأصبحت رحلة جامعة حلوان برعاية كل أغاني مروان، شاهدت كل مقابلاته، وبدأت نظرتي لنفسي ولحياتي تتغير، ونظرتي للفن تتغير.
فبعد أن كنت أحاول دومًا أن أكون أنا، نفسي بدون قيود، أدركت أنه يجب أن أكون حقيقة، قبل أن أكون نفسي، وأنجذب لكل ما هو يشبهني مهما كان مختلف عن الناس، أن أفتخر بالمكان الذي أسكن فيه، وأتقبله بكل اختلافاته، وأشعر بالامتنان لهذه الاختلافات، وأدعم الفن الذي يخرج منها.
كل تلك الأفكار نتاج لبعض المؤثرات في حياتي، مثل دار السلام الحبيبة، وفن مروان، لكلمات أغانيه الحقيقة، وتحديدًا لأن مغني الراب هو الذي يكتب أغانيه بنفسه، لذلك كنت أشعر بمروان وبأفكاره ومشاعره في كل جملة، والأهم هي حكاياته التي أنتمي إليها، أنا وأبناء جيلي بشكل من الأشكال، فمروان هو شاب يدرس في الجامعة، و يسكن في منطقة شعبية بالأسكندرية، لديه أحلام وفنان.
حتى مشاكل مروان هي مشاكل تشبهنا كجيل الألفينات، يرفض زحام ومركزية القاهرة، ويريد أن يظل في محافظته، ويتمنى أن ينشر فنه بشكل كبير، ليحكي حكاياته التي أغلبها من الشارع، والمواصلات العامة.
حتى أن ملابس مروان مثل الملابس الرجالي التي أراها في المحلات في دار السلام، وفي أحد المرات على حسابه على الانستجرام سأله أحد المتابعين عن المكان الذي اشترى منه قميص كان يرتديه في أحد الصور، رد مروان بـ "من الوكالة"، بمنتهي البساطة!، فنان أحبه واستمع إليه ويلبس ملابس عادية، ولا يصرح في كل مقابلاته عن الماركات العالمية التي يرتديها.
بالإضافة إلى أنه في إحدى مقابلاته قال جملة عظيمة وهي " فترة المراهقة مليانة اكتئاب، مفيش حد يدلك تعمل إيه وتمشي إزاي"، بالنسبة لي أن يهتم شخص عادي وليس فنان بفترة المراهقة المنسية في مجتمعنا شيء عظيم، ويتحدث عنها من ناحية حقيقة، وليس الناحية النمطية المعروفة التي تصدر من جهة من هم أكبر في السن.
في منتصف السنة كنت في أزمة لم أمر بها في حياتي، ولكني قررت أن أواجه الليالي الحزينة بأغنية "سندباد"، وأغني بصوت عالي مع جملة " تقع تاني تقوم وتقول هل من مزيد؟" في أغنية "غابة"، وأرقص على أغنية " الكنترول" حتي تمر الأزمة .
بعد أن سحرت بفن مروان بابلو، أدركت أني قضيت أعوامًا أسمع لمطربين لا يعبرون عني ولا يعبرون عن أنفسهم، ولا يعبرون عن الحياة، أصبحت أرى البعد في كل تفاصيلهم، وأتحسس القرب والانتماء في أبسط تفاصيل فن مروان بابلو، حتى وإن تغير ذوقي بعد وقت، سأظل أتذكر تلك المشاعر.
أشعر بكل الامتنان لفن أبناء جيلي العظيم، وفن أبناء المناطق الشعبية، الذي يخرج للنور كل يوم، ويملأ حياتي بمشاعر طيبة ودافئة وواقعية.