لسنوات طويلة، لم يكن إنتاج دراما الرعب قويًا في مصر، فقد ظل في نظر صناع الدراما إنتاج محفوف بالمخاطر والأعباء، بسبب صعوبة الإنتاج والتنفيذ، نتيجة لاختفاء تقنيات تنفيذ دراما الرعب من الوطن العربي، فيما توافرت تلك التقنيات بالدراما والسينما غير العربية، وفي الأغلب تكون "هوليودية"، فحتى الإنتاج الأوروبي لم يشتهر بذلك النوع.
في ذلك النوع من الدراما تظهر تجارب عربية ومصرية قليلة، لكنها تجارب تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، ومن أشهر تلك التجارب، مسلسل "أبواب الخوف" الذي أُنتج في 2009، بعدها بنحو أكثر من عشر سنوات، أي في عام 2020 أُنتج مسلسل "ما وراء الطبيعة"، وحظى باهتمام خاص، لارتباطه بسلسلة روايات الرعب التي تحمل الاسم نفسه للكاتب أحمد خالد توفيق، والتي كان جُمهورها الخاص محجوزًا بالفعل، ليستقبل هذا الجمهور المسلسل كأول تنفيذ درامي لروايات رافقتهم في سنوات المراهقة وبداية الشباب.
وفي عام 2022، فاجأ إعلان مسلسل "البيت بيتي" الجميع على منصة "شاهد"، وهو العمل الذي أخرجه خالد مرعي، وجاء من تأليف أحمد عبد الوهاب وكريم سامي، وقدّم العمل ممثلان اشتهرا بأدوارهما الكوميدية، وهما كريم محمود عبد العزيز، الذي أدى شخصية "كراكيري"، ومصطفى خاطر الذي أدى شخصية "بينو"، وفي الإعلان لم يُشار إلى المسلسل أنه يندرج تحت فئة الرعب.
بدأت أحداث المسلسل بوفاة والد "بينو"، الشاب الثري الذي ورث قصر يدفعه إلى خوض رحلة في عالم ميتافيزيقي خاص، يلتقي فيها الشخصيات، التي أُطلق عليها في المسلسل "عفاريت وأرواح موتى".
يلتقي "بينو" بسائق التاكسي الشعبي "كراكيري"، التي تُجبرهما أزمة ما على الرُفقة، فيكتشفان معًا تاريخ العائلة، ويُتوّج التصاعد الدرامي للمسلسل اكتشاف الشابين لصلة القرابة بينهما.
صلة القرابة بين الشخصيتين الرئيسيتين، كانت نقطة قوة في كتابة المسلسل، لأنها قُدّمت بطريقة أنبتت الشك في عقل المشاهد، مع وضع علامات لهذه الصلة خلال تتابع الحلقات، بشكل غامض وذكي، يساعد المتفرج على استكمال حلقات المسلسل، وكأنه على علم بسر ما سيُكتشف فيما بعد.
الغموض كان تيمة أساسية في إنتاج الرعب في المسلسل، فدافع الشخصيات الرئيسي هو كشف السرّ، الذي دفعهم للدخول في مواقف مرعبة وخارجة عن الطبيعة، اعتمدت في كتابتها وإخراجها على طريقة ذكية، لا تحتاج إلى تدخل تقني كبير، فجاء استخدام "الجرافيك" بسيط ومُناسب لطبيعة الحدث، بينما كان الأصل في الرعب هو إنتاج مواقف كوميدية غير معتادة، وذلك من خلال اختيار ممثلين كوميديين بالدرجة الأولى، لديهم شعبية وشهرة خاصة توظيفًا جيدًا ساهم في نجاح فكرة المسلسل.
المواقف الكوميدية كانت تُثير الرعب، مثل مشهد خطف الأرواح لشخصية عصام التي قدّمها الممثل محمد أوتاكا، لمدة يومان في القصر، فالمُشاهد لم ير عصام لحظة خطفه، بينما يظل الحديث عنه لمدة حلقتين، في حالة من إثارة الرعب لشخصيات المسلسل، ثم يُستخدم خطف عصام كخط درامي لشخصيته، فبعد عودته من هذا العالم يصاب بفقدان دائم في الذاكرة، يستخدم هذا الخط بشكل كوميدي مضحك للمتفرج، وبشكل مرعب بالنسبة للشخصيات.
وأرى أن واحدًا من أسباب نجاح المسلسل هي الحبكة، إذ إنها مبنية بناء عائلي بالأساس، فتوجد شجرة عائلة وتفاصيل متشابكة بين كل أسرة، وذلك نمط درامي شهير، والأقرب إلى قلب المتفرج، بسبب فضول تتبع تاريخ العائلة، والارتباط بالشجرة وتنوع الشخصيات ودوافعها، مما يجعل درجات التلقي مختلفة، يمكن أن يجد الأطفال مجالًا للمشاهدة في حالة أنه محتوى مناسب، كذلك الكبار أو المراهقون أيضًا، بمختلف الفئات العمرية الممثلة والموجودة بالعمل.
والأفضل في رأيي، أن المسلسل سيجعلك تفكر في أن "كراكيري" و"بينو" يشبهون أصدقائك، ويمكن أن ترافقهم في تلك الرحلة، في مزج محبُوك بين الكوميديا والرعب، فهما مثلك لم يختارا الدخول إلى هذا العالم.