بعد مرور عام على طوفان الأقصى، يقول محمد منصور، ذو الـ ٣٨ عامًا، ويقبع حاليًا في مدينة المنصورة، إن النازح داخل قطاع غزة يستهدف إيجاد الأماكن الآمنة للانتقال إليها، لكنه أشار وسط حديثه إلى عدم وجود "منطقة آمنة في غزة الآن".
غادر منصور قطاع غزة منذ ديسمبر 2023، بصحبة والدته المصرية، الوحيدة المتبقية في عائلته الكبيرة الذين استشهدوا جرّاء القصف؛ أخته وزوجها، وعمه وزوجته وأولاده.
وفي مدينة العريش، تلقّى ووالدته الرعاية الطبية، ومن ثم انتقل إلى القاهرة التي لم يمكث فيها سوى فترة صغيرة لنفاد مدخراته المالية، ليستقر حاليًا في مدينة المنصورة لدى أقارب والدته.
يصف منصور شعوره بأنه "عالق"، يتذكر أصوات غارات الطائرات وصافرات الإنذار وقصف لا يتوقف. يشير إلى انتفاء مكان في القطاع لم يسقط فيه دماء الشهداء، فضلًا عن شعوره بالقلق المستمر والخوف على أصدقائه وجيرانه الباقين في نزوح مستمر داخل الجنوب.
وتتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023 استخدام قوتها العسكرية في حرب إبادة ضد الفلسطينيين، استشهد على أثرها حتى الآن ما يقارب 42 ألف في قطاع غزة و744 في الضفة الغربية، وإصابة ما يقارب 100 ألف. وتشير تقديرات الأمم المتحدة أن 1.9 مليون شخص من الفلسطينيين داخل القطاع الذي يبلغ عدد سكانه 2.1 مليون نسمة نزحوا مرة واحدة على الأقل، ومنهم من نزح أكثر من 10 مرات.
ويُسجّل الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن نصف الشهداء في قطاع غزة من الأطفال والنساء وكبار السن، بجانب استشهاد ما يقارب 17 ألف طفل، و12 ألف امرأة و2500 مسن خلال عام واحد من قصف الاحتلال للقطاع.
وخلافًا لكل المواثيق الحقوقية والقوانين الدولية ومؤسساتها، تستمر آلة القتل الإسرائيلية على مدار عام من إصدار البيانات والإدانات، لكن دون ردع حقيقي على أرض الواقع.
ولا يعدّ حديث منصور عن تعمد الاحتلال شيوع عدم الاستقرار أو الأمان لأي فلسطيني في القطاع والضفة الغربية أو داخل الأراضي المحتلة جديدًا، بل يصرّح به قيادات الاحتلال أنفسهم وداعميه ومستوطنيه، الذين يعتمد تواجدهم بالأساس على محاولة زعزعة "أصحاب الأرض" أو استمرار مقاومته.
تشير آمال محمد الديب، ٤٩ عامًا ، أنه مع بداية القصف كان الناس يلجأون إلى المستشفيات العامة والمساجد والمدارس للاختباء، ظنًا منهم أنها أماكن آمنة، ليفاجأوا بتعمد الاحتلال قصفها أيضًا دون اعتبار إلى أن كل ما بداخلها من الأسر والعائلات.
وقصف الاحتلال منزل آمال يوم 29 أكتوبر، وبعد أيام من النزوح إلى الشارع دون مأوى ونفاذ الطعام، دبّرت أسرة آمال مبلغ خروجها إلى مصر، وتمكث منذ ذلك الوقت في مدينة المنصورة.
تضيف: "لم يكن سهلًا عليّ ترك باقي أفراد أسرتي وأرحل، منهم من استشهد بعد خروجي، ومنهم من لا يزال عالقًا في خيام الجنوب، مُجبر على النزوح من آنٍ إلى آخر. نعيش حياة صعبة، لا يوجد فلسطيني لم ير جثث الشهداء في الشارع، تجارب صعبة علينا فما بالك بالأطفال، أعتقد أن جميعهم يحتاجوا إلى دعم نفسي".
لاحظت آمال ميل أطفالها إلى العنف في تصرفاتهم منذ الوصول إلى مصر، فضلًا عن عدم قدرتهم على التواصل مع زملائهم بشكل طبيعي أو ممارسة حياة طبيعية كباقي الأطفال، وتعرض أحدهم للتبول اللإرادي، تُعلّق قائلة: "أحاول الوصول حاليًا إلى أطباء نفسيين للتعرف على كيفية التعامل معهم بشكل صحيح" .
وتشير الكلية الملكية للأطباء النفسيين "Royal College of Psychiatrists" إلى ارتفاع احتمالية إصابة الأطفال الفلسطينيين بمرض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو حالة مرضية عقلية تحدث عند تعرض الشخص لحدث صادم مثل: معايشة الحروب، التعرض للكوارث الطبيعية كالزلزال، التعرض للعنف النفسي والجسدي. ويتجسد (PSTD) في بعض الأعراض النفسية، ومنها: أحلام وكوابيس متكررة، ذكريات مؤلمة وخارجة عن السيطرة وأكثرهم انتشارًا هو نوبات الغضب والسلوك العدواني غير المبرر.
ووفقًا للتقديرات؛ خرج من قطاع غزة عبر معبر رفح منذ السابع من أكتوبر، ما يُقارب 110 ألف شخص من الفلسطينيين والجنسيات الأخرى التي كانت موجودة في القطاع، منهم من استقر في مصر أو انتقل إلى دول أخرى.
أما داخل القطاع، فينقسم الفلسطينيون بين من يمكثون في الشمال، وتقارب أعدادهم حوالي 300 ألف نسمة، وبين النازحين في الجنوب، خصوصًا في رفح الفلسطينية، بينما يستهدف الاحتلال الاسرائيلي على مدار العام ألّا يترك مكانًا آمنًا.