حادث "الجلالة" يفجر شكاوى الطلاب عن مخاطر الطريق وارتفاع أسعار السكن

أرشيفية

كتب/ت سلمي الهواري
2024-10-16 15:45:30

يخّيم الحزن على أهالي وطلاب جامعة "الجلالة" الأهلية بعد فقدانهم أبنائهم وأصدقائهم في الحادث المأساوي الذي تعرضوا له في منطقة الزعفرانة على طريق "الجلالة"، أول أمس الاثنين، أثناء عودتهم إلى مقر سكنهم في بورتو السخنة، حيث يقنطوا على مدار عامهم الدراسي. 

وتسبب الحادث في وفاة 12 وإصابة 36 آخرون من طلاب وطالبات الجامعة، من بينهم 8 حالات حرجة، و25 حالة تتراوح إصاباتهم بين كسور وسحجات متفرقة بالجسم، حسب ما أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، في الثلاثاء 15 أكتوبر. 

ليست الحادثة الأولى

يقول عمر السعيد، وهو أحد طلاب الجامعة، إن الطريق عند منطقة "الزعفرانة" التي تقع بين مدينة "العين السخنة" و"الجلالة" غير مُمهد ويمتلئ بالانحناءات والميل، ويفسر ذلك بمرور الطريق بهضاب طريق البحر الأحمر.  إلا أنه يوضح أنه "أفضل الخيارات"، مشيرًا إلى طريق موازي، لكنه أكثر امتلاءًا بالأحجار والتعرجات.

يسلك عمر وزملاؤه من القاطنين خارج المدينة الجامعية الطريق يوميًا، ذهابًا وإيابًا، من وإلى سكنهم الخاص خارج المدينة الجامعية.

يصف الطالب، الذي يدرس في كلية العلاج الطبيعي، الطريق بـ"خطير". ويوضح أنه نفسه، تعرض في 2022 لحادث عليه، أثناء توجهه إلى مقر الجامعة، تسبب في كسر في ساقه اليمنى وجروح عميقة في الجسم. 

ويضيف: "خلال العام الماضي فقط، تعرض طلاب من الجامعة نفسها لحوادث أخرى في نفس المكان، ولكن وقتها في حافلات نقل صغيرة". يشير عمر إلى أنه يعلم بوقوع 3 حالات وفاة على الأقل العام الماضي جرّاء هذه الحوادث، وعدد من الإصابات الأخرى.

وشهد رؤوف أكرم، الطالب بكلية العلوم في "الجلالة"، الحادث أثناء استقلاله هو أيضًا حافلته للعودة إلى مقر سكنه في مدينة "بورتو السخنة" السياحية، يشير إلى أنهم لاحظوا أن الأتوبيس قبل انقلابه كان يصدر منه "دخان كثير"، كما انقلب في أحد المنعطفات. تلك الرواية تتشابه أيضًا مع ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي. 

يقول رؤوف الذي رأى هو وزملاؤه انقلاب الأتوبيس 3 مرات على جانبي الطريق، ويعلق: "من شدة انقلابه طار سقف الأتوبيس على الناحية الأخرى وسقط الطلاب في كل مكان، وسط حالة من الذعر والهلع والانهيار العصبي التي انتابت كل من كان في الحافلة التي أركبها".

توقفت حافلة رؤوف على الفور، وهرع هو وزملاؤه إلى موقع الحادث في محاولة لإجراء الإسعافات الأولية لزملائه، وسط محاولات الاتصال بإدارة الجامعة والخط الساخن للإغاثة لطلب الإسعاف.  

لم تصل سيارات الإسعاف بسرعة، فأقرب نقطة إسعاف وصلت منها 10 سيارات كانت في مدينة السويس، التي تبعد عن بؤرة الحادث حوالي ٨٥ كيلومتر، أي في حدود ساعة ونص. 

بينما هرع الكثير من الطلاب الذين يملكون مركبات خاصة إلى موقع الحادث لنقل المصابين إلى مركز السويس الطبي، والذي يعتبر أقرب مستشفى لبؤرة الحادث. 

تقول آية مبروك، الطالبة بكلية الطب، أنه بعد وصول عمال الإنقاذ لرفع الحافلة عن الطريق، وجدوا أسفلها 6 طلاب، وكان ذلك بعد مرور 4 ساعات تقريبًا على حادث الإنقلاب.

وانتقل المصابين والوفيات إلى مركز السويس الطبي، الذي تجمهر أمامه الطلاب من  القانطين في مدينة السويس، بعدما اجتمعوا للتبرع بالدم ومساعدة المصابين. تعلق آية لـ"قلم المنصورة": "كنا جميعًا في حالة سيئة جدًا، وبمجرد وصول سيارات الإسعاف وعلمنا بوجود وفيات وإصابات خطيرة، زاد الوضع سوء". 

مشروع "مدينة الجلالة"

ووفقًا لبيانات وزارة النقل المصرية، فإنشاء طريق هضبة الجلالة، بطول 117 كم، تكلف 4.4 مليار جنيه، وذلك ضمن مشروع مدينة "الجلالة" الذي تصفه الهيئة العامة للاستعلامات بأنه "أحد أكبر المشروعات التنموية المصرية".

ويبدأ الطريق شمالاً من التقاطع مع طريق القاهرة- العين السخنة، ويمتد جنوباً حتى التقاطع مع طريق بني سويف- الزعفرانة. 

وتقع المدينة أعلى هضبة الجلالة، وفقًا لموقع الرئاسة المصرية، بين مدينتي العين السخنة والزعفرانة، على ارتفاع حوالي ٦٥٠ متر أعلى سطح البحر، وتطل على ساحل البحر الأحمر الذي تبعد عنه حوالي ٦ كم، وتبلغ مساحتها الإجمالية ١٧,٥ ألف فدان، وتنقسم إلى ثلاثة مراحل (أ، ب، ج).

وكان تأسيس الجامعة وإنشاء وتطوير الطريق أحد أبرز المشروعات التي تدخل ضمن مشروع المدينة، ويعد طريق الجلالة - الزعفرانة، الواصلة بين بداية "الجلالة" ومدينة "العين السخنة"، من أخطر المناطق التي طُورت على امتداد الطريق، نظرًا لطبيعتها الهضبية. وقد لحقت بهذه الخطة إنشاء طريق الجلالة - الغردقة في أغسطس ٢٠٢٠، الذي يبلغ طوله ٥ كيلو متر بإرتفاع من ٩٠ إلى ٢١٠ متر حيث سُمي بـ"طريق الغردقة المختصر".

ويصل طول الطريق الرئيسي 82 كم فى اتجاهين وسرعته 120 كم في الساعة، ويتكون كل اتجاه من 3 حارات، "مؤمنة ضد أخطار الحوادث بأعمال لوجستية وتخطيط وإرشادات ولوحات داخلية، وهو مؤمن أيضًا ضد أخطار السيول"، وفقًا لوصف الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

أما الجامعة، فيأتي تأسيسها ضمن خطة مشروع زيادة أعداد الجامعات الأهلية في مصر. وفي 12 سبتمبر الماضي، شهد رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، حفل تخرج أول دفعة من طلاب جامعات؛ الجلالة والملك سلمان الدولية والعلمين، وقال في كلمته إن الثلاث جامعات بدأ عملهم في 2021، لينضموا إلى 20 جامعة أهلية أخرى أنشأتها مصر في "أقل من 10 سنوات" على حد قوله، كما سينضم لهم 7 جامعات أخرى خلال العام المقبل.

وتقع جامعة الجلالة على مساحة (١٧٣.٥) فدان، ويشمل مخطط تأسيسها أن تضم 14 كلية، ومبنى إدارة الجامعة والمستشفى الجامعي بطاقة ٤٠٠ سرير، ومركز مؤتمرات، وسكن الطلبة والمدرسين، وسكن الطالبات والمدرسات، ومسجد، والأكاديمية العليا للعلوم. 

الجامعة لا تحل مشكلة "السكن"

تستوعب الجامعة، التي بدأت الدراسة فيها منذ 2021، وفقًا لمخطط إنشاؤها، 12 ألف و790 طالب في مراحلها الثلاثة، بينما تستوعب الأكاديمية 5040 طالبًا. ولا تتسع المدينة الجامعية تسكين كل هؤلاء الطلاب، الذين ينضموا إليها من مختلف محافظات مصر، ويحتاجوا إلى السكن في مواقع قريبة خلال العام الدراسي. 

ويضطر طلاب جامعة الجلالة إلى الإقامة في سكنات خارجية في مدينة بورتو السخنة ومدينة السويس، أثناء عامهم الدراسي، بسبب ارتفاع أسعار السكنات الخاصة التابعة للجامعة، سواء الداخلية أو الخارجية. وفقًا للطلاب يصل السرير الواحد في الغرفة المزدوجة في السكن الداخلي للجامعة إلى ٢٨ ألف جنيهًا، و١٨ ألف جنيهًا للسرير الواحد في السكن الخارجي التابع للجامعة المسمى بـ"سكاي الجلالة ". ووفقًا للجامعة، يتم اختيار الطلاب للسكن بناءًا على اختيار عشوائي للسنة الأولى والمجموع والتقدير في باقي سنوات الدراسة. 

تقول ناريمان عادل، طالبة بكلية التمريض، إنها تقطن في بورتو السخنة، التي تبعد عن الجامعة بحوالي ساعة تقريبًا، للعام الرابع على التوالي، وذلك بسبب زيادة سعر سكن جامعة الجلالة الداخلي الذي تنتقد في حديثها افتقاره من الخدمات التي قد يحتاجها الطلاب، مثل أماكن شراء الطعام. 

وتستكمل: "لا يوجد في الجامعة أية خدمات سوى بعض المطاعم والكافيهات التي تقدم خدماتها للطلاب بأسعار مرتفعة جدًا، ولا تتناسب معنا كطلاب مغتربين". 

وتشير إلى افتقار المدينة خدمات أساسية مثل توافر صيدلية مثلًا، وأن الأمر لا يختلف في السكن الخارجي "سكاي" الذي يفتقد الخدمات أيضًا وفقًا لنرمين، فضلًا عن بعده عن الجامعة، التي لا توفر لطلابه سوى حافلات - ميكروباص - لنقلهم إليه، بمقابل مادي.

وكانت صحيفة الشروق المصرية، قد نشرت على لسان مصدر مطلع داخل الجامعة، قوله إن أتوبيس الحادث، لا يتبع الشركات التي تتعاقد معها الجامعة لنقل الطلاب، وإنما يتفق معها الطلاب بشكل الخاص، وقد أثار ذلك الأمر انتقادات وغضب الطلاب خصوصًا مع تعجبهم من تغيب إدارة الجامعة عن الحضور إلى موقع الحادث على الفور. 

يعلق عادل محمد، طالب بكلية العلوم، قائلًا: "تستهتر الجامعة بحياة أبنائها الطلاب، منذ تأسيس الجامعة، ويتعرض الطلاب على هذا الطريق لحوادث متفرقة، ولم نكن ننتظر بعد هذا الحادث المروع الذي رأينا فيه زملائنا تموت أمام أعيننا، أن يكون رد فعل الجامعة إخلاء ذمتها عن هذه الحافلات الناقلة للطلاب، وتزعم أنها حافلات خاصة للنقل الجامعي الخارجي".

وفقًا لشهادات عادل وزملاؤه من الطلاب التي حاولنا تتبعها على مدار اليومين السابقين، فالطلاب ممن لا يستطيعون المكوث في السكن الجامعي لارتفاع مقابله المادي، مضطرون إلى التأجير في سكن خاص في العين السخنة أو السويس، ومضطرون أيضًا إلى استقلال حافلات خاصة تنقلهم يوميًا من الجامعة إلى السكن والعكس.

وقد نشرت النيابة العامة المصرية، عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، أن تقرير الفحص الفني أثبت أن قائد السيارة قام بالسير بسرعة هائلة حال مروره بمنعطفٍ مُنحدر؛ وأدى ذلك إلى اختلال عجلة القيادة وانقلاب الحافلة.

وبإجراء تحليل مبدئي للسائق تبين تعاطيه جوهرًا مخدرًا، وأقرت النيابة عرضه على مصلحة الطب الشرعي لإجراء تحليل نهائي له، وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

وفي الاجتماع الطارئ لمجلس أمناء الجامعة، في مساء الثلاثاء، كان من قراراتهم "توفير وسائل نقل آمنة" للمقيمين في قرية بورتو دون أعباء مالية، حتى يُوفّر سكن لهم في مدينة الجامعة، كما طرح المجلس دراسة التوسع في السكن الجامعي في مدينة الجلالة حتى يشمل الجميع.

وتشهد الجامعة منذ الحادث احتاجات للطلاب الذين نشروا فيديوهات في اليوم التالي للحادث مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وهم مجتمعون في ساحة الجامعة يعبرون عن غضبهم من إدارتها ومن مشكلات الطريق والسكن، ودوّن عدد من أولياء الأمور وأسر الطلاب ممن كانوا في الحافلة نفسها شهادات تثير الإشارة إلى "عطل الفرامل"، وأخرى تشير إلى أزمة "التعاقد مع شركات النقل"، وجميعها يطالب جهات التحقيق بألّا يتم التعامل مع الحادث على أنه "استثناء".