على طاولة صغيرة في أحد الأزقة القديمة، جلست الجدة تفرك عجينة القطايف بيديها المتجعدتين، بينما تراقب حفيدتها التي كانت منهمكة في تزيين كاسات "تشيز كيك الكنافة" بطبقات مرتبة من الكريمة والفستق، نظرت الجدة إلى الحلوى الحديثة بتوجس، ثم تمتمت وهي تهز رأسها: "أين الكنافة الساخنة؟ أين القطايف المحشوة بالمكسرات؟ رمضان لم يعد كما كان!".
ابتسمت الحفيدة وهي تقدم لجدتها ملعقة صغيرة قائلة:"جربيها يا جدتي؛ إنها كنافة، ولكن بروح عصرية".
بهذه العبارة البسيطة، تلخصت معادلة التحول الذي شهدته الحلويات الرمضانية في مصر خلال السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت الموائد الرمضانية لا تخلو من الكنافة والقطايف والبسبوسة، أصبحت الحلويات المبتكرة مثل "كنافة النوتيلا"، "بلح الشام بالكراميل" و"بسبوسة اللوتس" تحتل الصدارة في محلات الحلوى وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
والحقيقة أن الحلويات الحديثة غزت موائد الأسر في رمضان، إذ لم يعد المصريون يكتفون بالكنافة التقليدية أو القطايف المحشوة بالمكسرات، بل بدأوا في تجربة أصناف جديدة مثل كنافة البستاشيو والشيكولاتة البلجيكية، كذلك بسبوسة اللوتس والنوتيلا التي أضافت لمسة غربية على الحلوى المصرية الشهيرة.
وأصبح بلح الشام بالكراميل المملح بديلًا للشربات التقليدي، مُجمعًا بين الحلاوة والنكهة المالحة في آنٍ واحد، وتشيز كيك الكنافة الذي أصبح من أشهر الحلويات التي تجمع بين الطابع الغربي والشرقي.
ولكن، لماذا يفضل كثير من الناس الآن الحلويات الحديثة؟، يعود هذا التحول إلى عدة عوامل، على رأسها التأثير الإعلامي والسوشيال ميديا، حيث أصبحت صفحات الطهي والمخابز تعرض وصفات مبتكرة باستمرار، وربما يكون التغير في الأذواق إحدى العوامل، فمع زيادة تجربة المصريين لأنواع جديدة من الحلويات العالمية تطورت صناعة الحلويات، حيث تسعى المحلات الكبرى إلى تقديم منتجات مميزة لجذب الزبائن.
مع انتشار الحلويات الغنية بالشيكولاتة والكريمة والمكسرات، زاد استهلاك السكر والدهون في رمضان، ما أدى إلى ارتفاع معدلات السمنة والمشاكل الصحية المرتبطة بالإفراط في تناول السكريات، وتشير دراسة من جامعة هارفارد إلى أن الإفراط في تناول السكريات المضافة قد يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وبسبب تلك المخاطر ينصح الأطباء تناول الحلويات بحذر، مع استبدال بعض المكونات ببدائل صحية؛ منها تقليل كمية السكر في الوصفات، واستخدام العسل أو التمر كمُحلّيات طبيعية، وتناول الحلويات بعد الإفطار بساعتين على الأقل لتجنب اضطرابات الجهاز الهضمي.
لكن على الرغم من التغييرات التي طرأت على الحلويات الرمضانية في مصر، إلا أن روح الشهر الكريم لا تزال ثابتة، فالعائلات تجتمع حول المائدة، وتمثل الحلويات جزءًا أساسيًا من الاحتفال بقدوم رمضان، ربما تغيّرت النكهات، وربما أصبحت الكنافة بالنوتيلا بدلًا من الكنافة التقليدية، لكن سيظل رمضان شهرًا يجمع بين الأصالة والتجديد.