يشير مصطلح "قتل الإناث" (Femicide) إلى القتل العمد للنساء بسبب كونهن نساء، إلا أنه يمكن توسيعه ليشمل أي نوع من قتل النساء والفتيات، إذ يختلف قتل الإناث عن قتل الذكور في عدة نواحٍ، مثل أن معظم حالات قتل الإناث يرتكبها شركاء حياتهن أو شركاء سابقون، وغالبًا ما تكون هذه الجرائم مرتبطة بالاعتداء المستمر في المنزل، أو التهديد، أو العنف الجنسي، أو ظروف تجعل المرأة أقل قوة أو موارد مقارنة بشريكها، وفق ما أوردته مؤسسة "UN Women"، حول أسباب قتل النساء.
لكن في الآونة الأخيرة، برز نوع جديد من هذه الجرائم وهو قتل النساء بسبب رفضهن الارتباط أو الزواج بشخص معين.
تعد هذه الظاهرة جديدة في المجتمعات العربية، وبالتحديد في المجتمع المصري، ففي 20 يونيو 2023، وقعت حادثة مأساوية لا تزال عالقة في الأذهان، حيث قتلت نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة، على يد زميل لها في الدراسة أمام بوابة الجامعة.
كانت هذه الحادثة بداية سلسلة من الجرائم المشابهة التي استمرت في الانتشار، تكون النساء ضحاياها بسبب رفضهن الارتباط. ففي نفس العام، قتلت نورهان حسين داخل الحرم الجامعي في القاهرة، حيث أطلق عليها شاب ست طلقات نارية لأنه لم تقبل بالزواج منه.
لم يتوقف تأثير جريمة نيرة في مصر فقط، بل امتد إلى دول أخرى، مثل الأردن، ففي 23 يونيو 2022، قُتلت الطالبة إيمان رشيد في الحرم الجامعي في الأردن على يد شاب لم يتجاوز عمره 24 عامًا، حيث أطلق عليها خمس طلقات نارية من مسدس بعد أن أرسل لها رسالة تهديد يقول فيها: "بكرة رح أجي أحكي معك وإذا ما وافقتي رح أقتلك مثل ما المصري قتل البنت اليوم".
وفي عام 2022 أيضًا، قتلت سلمى بهجت على يد زميلها في الجامعة بـ 15 طعنة في محافظة الشرقية بسبب رفضها الاستمرار معه في علاقة عاطفية مزعومة من القاتل.
لكن هل أصبح الرفض حقًا معدومًا؟ أم أن الخضوع للموافقة هو الحل الوحيد للنساء في هذا العالم؟.
أصبحت حرية اختيار شريك الحياة مهددة بين قبول المرأة لرجل سيكوباتي (السيكوباتي هو شخص يتسم بعدم التعاطف، وغياب الضمير، وقدرة على التلاعب بالآخرين دون شعور بالندم) أو القتل على يد ذلك الرجل.
يرجع وجود هذه النماذج السيكوباتية في عقلية الرجل الشرقي إلى اعتبار أن النساء ملكية خاصة، ولا يُسمح لهن باتخاذ قرارات تتعارض مع رغبة الأب أو الأخ أو الزوج، إذ يُفترض أن المرأة يجب أن تكون تحت سيطرة رجل يفرض عليها عقوبات إذا أخطأت، بينما يغفر للذكور أخطائهم لمجرد أنهم "رجال البيت".
هذا الوضع أدى إلى زيادة الأنانية الذكورية في المجتمع، مما جعل البعض يرفض رفض المرأة له باعتبارها مواطنة من الدرجة الثانية.
من أبرز العوامل التي ساهمت في تشكيل هذه الشخصية السيكوباتية هي الأقوال المنتشرة في المجتمع، مثل: "الراجل ما يتقالهوش لا"، "كلمة الراجل متنزلش الأرض أبدًا"، "ألف بنت تتمناك"، "الراجل اللي يخلي الناس تعمله ألف حساب".
ومن جهة أخرى، بالنسبة للنساء، فهن اعتدن على سماع كلمات مثل: "البنت لازم تسمع الكلام، والراجل يتقال لها حاضر ونعم"، "متتعصبيش وامتصي غضب الراجل"، و"مينفعش تباني أعلى منه في المعلومات وخاصة قدام الناس علشان ما تجرحيش رجولته".
بالإضافة إلى ذلك، يتم تخويف النساء وإلقاء اللوم عليهن في أي مشكلة باعتبارهن كائنات عاطفية، ويُفترض أن السبب الرئيسي لرد فعل الرجل هو استفزاز المرأة له، رغم أن ذلك ليس بالضرورة دقيقًا.
أما في حادثة نيرة، التي كانت بداية لهذه الجرائم التي تحدث علنًا وبشكل صريح، فإن السبب الرئيسي لتكرار هذه الجرائم كان وجود تبريرات للمجرم، مع البحث عن "شماعات" واهية لتعليق خطأ الجاني عليها.
ففي الساعة الأولى من وقوع الجريمة، انقسمت التعليقات على صفحات الفيسبوك إلى شقين؛ أحدهما ضد الجاني، والآخر متعاطف معه، مبررًا رأيه بأن القاتل كان يحبها، وكان من الممكن أن تكون هي من تستغله، فقرر قتلها.
وفي تعليق آخر، ركز البعض على ملابسها واعتبروا أنها السبب الرئيسي في القتل، حيث أن ملابسها كانت تدل على أنها فتاة غير محتشمة وفق زعمهم.
بينما بدأ البعض يلوم الفتاة على عدم موافقتها للارتباط به رغم حبه الشديد لها، فكل هذه التعليقات دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن القاتل كان محقًا في تصرفه، وأن من حقه سلب حياة فتاة لمجرد رفضها الارتباط به.
وعالميًا، قُتلت حوالي 89 ألف امرأة وفتاة عمدًا في عام 2022، وهو أعلى رقم سنوي تم تسجيله في العقدين الماضيين، كما أن معظم حالات قتل النساء والفتيات ناتجة عن دوافع ترتكز على النوع الاجتماعي، وفي عام 2022، قُتلت حوالي 48.800 امرأة وفتاة في جميع أنحاء العالم على يد شركائهن داخل الأسرة، وفقًا لإحصائيات "UN Women".
ولكن، هل سنسمع عن جرائم قتل جديدة هذا العام؟ أم أن هذه الجرائم ستستمر ولكن في الخفاء؟.