الأطفال وجنون الشهرة على اليوتيوب

تصوير: تصميم رياض عادل

كتب/ت رفيدة أشرف
2025-01-30 11:21:55

في كل يوم جمعة، يجتمع أفراد عائلتي بمنزل جدتي لقضاء وقت ممتع، وبعد انتهاء اليوم، نحاول إقناع والدتي وخالاتي بالبقاء للمبيت، فتبدأ جلسات السمر والضحك حتى الصباح.

ولكن في إحدى الليالي، لم أكن أعلم أن تلك الجلسات العائلية البسيطة ستكون نقطة انطلاق لتغيير عميق في سلوك الأطفال من حولي.

في تلك اللحظات التي تجمعنا معًا، اكتشفت لأول مرة كيف أن أبناء خالتي الصغار كانوا يتسابقون في تحدي جديد، لم يكن الأمر مجرد لعبةٍ بل كان جزءًا من سعيهم لكسب الشهرة على الإنترنت، وعندما سألت أحدهم عن السبب، أجابني ابن خالتي صاحب العشر سنوات بأنه يريد أن يصبح "يوتيوبر" مشهورًا مثل العديد من المشاهير الذين يعرضون حياتهم اليومية على يوتيوب. 

يشير العديد من الخبراء إلى أن منصات مثل اليوتيوب تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل شخصية الأطفال والمراهقين، وهو ما تؤكده دراسة حديثة من جامعة "كاليفورنيا" حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك الأطفال. 

التفاعل المستمر مع محتوى اليوتيوب قد يؤدي إلى تقليد سلوكيات المشاهير من الأطفال وفق الدراسات، بل وحتى تبني قيم ومفاهيم مغلوطة.

كما أن الأطفال الذين يتابعون هذه الفيديوهات يطورون تصورات غير واقعية حول الشهرة والمال، مما يجعلهم يعتقدون بأن النجاح يعتمد فقط على الظهور على هذه المنصات وليس على العمل الجاد.

عندما بدأت ألاحظ التغيرات في سلوك الأطفال، اكتشفت أنهم أصبحوا يتبنون أسلوب حياة يشبه حياة المراهقين الذين يعانون من الاكتئاب والضغوط النفسية، كما لو أن الاكتئاب أصبح جزءًا طبيعيًا من مرحلة النمو. في إحدى المرات، أخبرني أحد الأطفال أنه يعاني من "الاكتئاب" تمامًا كما يفعل مشاهير اليوتيوب الذين يتحدثون عن حياتهم الشخصية ومعاناتهم النفسية، وكأنهم يربطون هذا الشعور بعلامة للنضج والانتقال إلى مرحلة المراهقة.

وتؤكد دراسة نشرتها "منظمة الصحة العالمية" حول التأثيرات النفسية لوسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، أن التعرض المستمر لمحتوى يتحدث عن الاكتئاب من قبل مشاهير اليوتيوب يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية لهم، إذ يبدأ الأطفال في تقليد هذه المشاعر، مما يزيد من معاناتهم النفسية بدلًا من مواجهتها بشكل صحي.

كما أن تجربة مشاهير اليوتيوب تؤدي إلى تغييرات كبيرة في مفاهيم الحياة والعمل، وأصبح العديد من الأطفال يعتقدون أن المال والشهرة على الإنترنت هما مفتاح النجاح، وأن العمل الجاد في الدراسة أو الوظائف التقليدية لا يُقارن بالشعبية التي يمكن أن يحققها شخص في سن مبكرة.

هذا المفهوم يعزز جاذبية التحديات المتهورة والمحتوى الذي يقدمه هؤلاء المشاهير، مما يدفع الأطفال إلى التراجع عن أهدافهم الأكاديمية والمهنية.

وتطرقت دراسة "Journal of Youth and Adolescence" إلى أن الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلاً في مشاهدة تحديات غير هادفة على منصات التواصل الاجتماعي يصبحون أكثر عرضة لتطوير سلوكيات متهورة، ويقل لديهم التركيز على الأهداف الحقيقية مثل الدراسة أو ممارسة الأنشطة المفيدة. 

في رحلتي لمحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، بدأ الأطفال يدركون أن ليس كل ما يرونه على اليوتيوب هو الحقيقة، بدأت أوجههم نحو قدوات أكثر تأثيرًا إيجابيًا، مثل الشخصيات الثقافية والعلماء والكتاب الذين يعبرون عن نجاحهم من خلال التعليم والاجتهاد، فالتغيير لا يأتي بين ليلةٍ وضحاها، لكن لا بد من غرس القيم الصحيحة التي تساهم في تكوين شخصياتهم بعيدًا عن التأثيرات السلبية للإنترنت.

على الرغم من أن المهمة ما زالت صعبة، إلا أنني متفائلة بأننا على الطريق الصحيح، لأن الأطفال بحاجة إلى استعادة وعيهم بأهمية التعليم والحياة الواقعية بعيدًا عن تأثيرات السوشيال ميديا التي تعرض الحياة كما لو أنها فيلم سينمائي لا  يعكس الواقع.