قفزات ضخمة.. عن أثر ارتفاع سعر "أسطوانة الغاز" على سحور المصريين

تصوير: مريم أشرف - محلات الفول والطعمية في دار السلام

كتب/ت مريم أشرف
2025-03-18 16:37:00

 

مع انتهاء صلاة التراويح، يغادر محمد شعبان، ثلاثيني، ورب أسرة يقيم في حي دار السلام، متجهًا نحو محل الفول المعتاد لشراء وجبته الأساسية في السحور. عند وصوله، يجد عبدالله، صاحب المحل، غارقًا في زحمة العمل، يتنقل بين قدر الفول وصاج الطعمية، بينما يخوض مفاوضة مرهقة مع بائع أسطوانات الغاز، في محاولة للحصول على سعر أقل.

يشتري عبدالله أسطوانة الغاز الكبيرة بسعة 25 كيلوجرامًا من السيارة التي تجوب الحي، لكنها تكلفه 400 جنيه، وهو مبلغ يثقل كاهله ويدفعه إلى رفع أسعار الفول والطعمية، اللذان يعتمدان كليًا على الغاز لتسويتهما. أمام هذه الزيادة، يضطر شعبان إلى تقليص كمية الفول التي يشتريها، محاولًا التكيف مع الأسعار المتصاعدة التي تفرض نفسها على موائد المصريين.

 

 

ارتفاع سعر الأنابيب

خلال السنوات الأربع الماضية، شهدت أسعار أسطوانات الغاز قفزة هائلة، إذ ارتفع سعرها بنسبة 433%. في عام 2021، لم يكن سعر الأسطوانة يتجاوز 75 جنيهًا، لكنه ازداد تدريجيًا ليصل إلى 100 جنيه في 2022، ثم 150 جنيهًا في 2023.

أما في 2024، ارتفع إلى 250 جنيهًا، قبل أن يصل في مطلع هذا العام إلى 400 جنيه، لتصبح الزيادة في عامي 2024 و2025 هي الأكبر على الإطلاق.

 

 

أثرت هذه الارتفاعات الحادة بشكل مباشر على وجبة سحور المصريين في رمضان، والتي تعتمد على الفول والطعمية، وهما طعام محدودي الدخل، فمع ارتفاع أسعار الغاز، اضطرت مطاعم الفول إلى رفع أسعارها لتعويض التكلفة، مما جعل شراء الفول بالسعر المعتاد أمرًا صعبًا لكثير من الأسر.

تشتري الأسر كميات أقل، وتلجأ إلى بدائل أرخص، بينما اضطر آخرون إلى تقليل عدد مرات شراء الفول خلال شهر رمضان، بعدما تحولت وجبة السحور إلى معادلة صعبة بين الحاجة والقدرة على الشراء، في ظل موجة الغلاء التي لا تتوقف.

 

 

مناورات الأسر

يصف محمد شعبان وجبة الفول والطعمية بأنها أصبحت "وجبة الأحلام"، بعد أن باتت أسعارها تنافس وجبات أخرى كانت تُعد أكثر تكلفة، يقول: "شراء وجبة متكاملة لفرد واحد، تتكون من الفول والطعمية إلى جانب البيض والبطاطس، يحتاج 50 جنيهًا يوميًا، بينما كانت نفس المكونات تُباع قبل أربع سنوات مقابل 20 جنيهًا فقط، أي أقل من نصف السعر الحالي".

لذا قلل شعبان من عدد مرات تناول أسرته للفول في السحور بينما ألغى البيض، وفي أوقات أخرى يشتري بكميات أقل لا تكفي احتياجات أسرته.

نفس الحل لجأ إليه محروس كمال، رب أسرة وعامل بناء من منطقة دار السلام، الذي يخصص 10 جنيهات لشراء الفول و5 جنيهات لعجين الطعمية، لتكوين وجبة سحور للأسرة المكونة من أربعة أفراد، لكن في كثير من الأحيان لا تكفيهم الكمية، يضطرون إلى إضافة عبوة جبن بسعر 20 جنيهًا لتعويض النقص.

 

 

على مدار 30 يومًا من رمضان، تصل تكلفة السحور لعائلة كمال إلى 450 جنيهًا، وهو مبلغ يشكل عبئًا كبيرًا، خاصة مع توقفه عن العمل في فترات.

يتذكر كمال كيف أن 15 جنيهًا فقط كانت تكفيه قبل عامين لشراء كمية وفيرة من الفول، وعجين الطعمية، وحتى البطاطس: "الفول مبقاش زي زمان كان وجبة الفقراء والحاجة الأخيرة ليهم". 

ألقى ارتفاع أسعار الغاز بظلاله على وجبات الفول ليصبح السحور البسيط عبئًا إضافيًا على الأسر محدودة الدخل.

بلغت نسبة التضخم في قطاع الغاز والوقود 18.7% في العام 2024 وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما بائعي الفول في حي دار السلام، يؤكدون أن أسطوانات الغاز شهدت ارتفاعات تصل إلى 36%.

 

 

أزمة بائعي الفول

يستهلك عبدالله أسطوانة بالكامل خلال يوم عمل واحد في المحل، الذي يصف حركة البيع فيه بالمتوسطة هذا العام، يقول: "أنفق آلاف الجنيهات يوميًا على شراء البضائع، وأدفع 380 جنيهًا لأسطوانة الغاز يوميًا، أمام حركة شراء بسيطة لا تتعدى 10 جنيهات من كل زبون"، يزيد ذلك من صعوبة تحقيق هامش ربح عادل لـ"بائعي الفول" في ظل ارتفاع التكاليف المستمر.

نبيلة محمد، إحدى ربات البيوت التي قررت إعداد الفول في منزلها بدلًا من شرائه جاهزًا، تشتري كيلو الفول البلدي بـ50 جنيهًا، ويكفي أسرتها لمدة أسبوع، ولكنه يجعلها توفر في التكلفة مقارنة بشرائه يوميًا من محلات الفول.

تؤثر مثل تلك البدائل على عمل محمد وعبدالله، أصحاب محلات الفول في دار السلام، حيث لاحظا انخفاض الإقبال مقارنة بالسنوات الماضية، نتيجة لذلك، قرر محمد التوقف عن تجهيز البطاطس والباذنجان تجنبًا لهدر البضائع، واكتفى حاليًا ببيع الفول وعجين الطعمية فقط.

 

 

ورغم أن تحضير الفول في المنزل يتطلب من نبيلة مجهودًا أكبر، إلا أنه أصبح الحل الأمثل بالنسبة لها، إلى جانب تخصيص بيضة واحدة لكل فرد من أفراد أسرتها، لتشكل بذلك وجبة السحور. 

تقول: "قبل سنوات كانت وجبة السحور متنوعة ومشبعة حتى نتحمل الصيام وكل صنف به كميات وفيرة تكفي الأسرة وتتبقى، لكن الحال الآن تبدل".

 


 

حلول بديلة

بسبب لجوء العديد من الأسر، مثل نبيلة، إلى تحضير الفول في المنزل، وجد خالد محمد، صاحب محل فول وطعمية في دار السلام، نفسه في أزمة مالية دفعته إلى استدانة 100 ألف جنيه منذ شهرين، حتى يتمكن من شراء بضائع رمضان وتوفير أسطوانات الغاز.

يقول: "بالورقة والقلم أنا خسران، 400 جنيه للأنبوبة قدام 5 جنيه فول للزبون.. خسران بس هعمل إيه؟ مش هقدر اشتغل شغلانة تانية، والزبون زبوني من سنين، بس مبقاش يقدر على الأسعار".

يوضح خالد أن سعر أقل طبق فول أو طعمية منذ أربع سنوات كان 3 جنيهات فقط، لكنه تضاعف تدريجيًا ليصل إلى 10 جنيهات مقابل كمية متوسطة تكفي فردًا واحدًا. لذا بدأ خالد بيع الفول بأسعار تبدأ من 5 جنيهات فقط، مراعاةً لظروف زبائنه، وإدراكًا منه أن الناس لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأعباء.

أزمة إمدادات الغاز

 

 

جانب آخر للأزمة يكشفه الدكتور جمال قليوب، عضو الجمعية المصرية للبترول، وأستاذ الطاقة والتعدين بالجامعة الأمريكية، وهو أن محال الفول والطعمية لا تزال تعمل بأسطوانات الغاز وليس الغاز الطبيعي لعدم إدخاله في بعض المناطق الشعبية.

ويشير لـ"صوت السلام" إلى أن هناك مناطق لم يصلها الغاز بسبب متطلبات الأمن والسلامة، وعم تجهيز البنية التحتية بالشكل المناسب مما يجعل توصيل الغاز إليها غير آمن.

تستهلك محافظة القاهرة 18 مليونًا و892 ألف أسطوانة غاز سنويًا بين الاستخدام المنزلي والتجاري، وفق تقرير صدر من المحافظة العام 2023، إذ تمثل تمثل الأسطوانات المنزلية 87% من إجمالي الاستهلاك، بينما تشكل الأسطوانات التجارية 13% فقط.

وفيما يتعلق باستهلاك الأسرة، أوضح التقرير أنّ متوسط استهلاك الأسرة السنوي من أسطوانات الغاز بمحافظة القاهرة 6 أسطوانات، مؤكدًا أن هناك أحياء لا توجد بها مستودعات بوتاجاز أو امتداد الغاز الطبيعي، الذي وصل إلى 15 مليون وحدة سكنية في مصر حتى أواخر العام 2023.

فرض ارتفاع الأسعار قيودًا صارمة على اختيارات الأسر الغذائية، إذ لم يعد نبيلة وشعبان وعبدالله يهتمون كثيرًا بالأسباب التي أدت إلى زيادة أسعار أسطوانات الغاز، لكنهم يشعرون بتأثيرها المباشر في غلاء وجبات السحور اليومية، التي كانت يومًا ما الخيار الأرخص والأكثر توفرًا.

 

تصوير: مريم أشرف - محلات الفول والطعمية في دار السلام