"لن نشتري سوى بـ300 جنيه فقط"، قالها محمود خالد، ثلاثيني، وهو يضع ميزانية شهر رمضان برفقة زوجته أم هدى، إذ لم يستطع هذا العام شراء الياميش سوى بذلك المبلغ، حتى لا تتأثر أساسيات أخرى، فاعتبرا هذا العام أن الياميش من الرفاهيات.
يحب أبناء محمود الياميش والمكسرات، وينتظروا شهر رمضان كـ "فرصة" لوضعها على ميزانية الأسرة الشهرية، ولكن مع قرار والدهم ألا تتجاوز ميزانية شرائهم هذا العام مبلغ الـ300 جنيه، حتى يستطيع الإيفاء بباقي متطلبات الأسرة الأساسية، اصطدم الأطفال بأن الكمية ستكون قليلة جدًا مقارنة بارتفاع كبير في الأسعار.
ياميش بـ2000 جنيه
في 4 يناير الماضي، أعلنت الغرف التجارية أن الأسرة المصرية المكونة من 4 أفراد يمكنها شراء ياميش بـ2000 جنيه في رمضان، لكن راتب أسرة محمود التي تضم 4 أفراد هو وزوجته وطفلين لا يتجاوز 5000 جنيه شهريًا، أي أن المبلغ الذي حددته الغرف التجارية لشراء الياميش يعادل تقريبًا نصف راتبهم الشهري.
يعيش محمود في سكن بالإيجار في منطقة دار السلام، ويعمل باليومية في فرن عيش، يقول: "لا نستطيع شراء ياميش بـ2000 جنيه؛ لأن كل نوع يتراوح سعره بين 500 و800 جنيه للكيلو، لذلك نكتفي بشراء البلح والفول السوداني ونترك باقي الميزانية للأساسيات مثل فواتير الكهرباء والمياه والخضروات".
يتناقض تصريح الغرف التجارية مع الواقع الذي تعيشه الأسر المصرية، حيث يعيش حوالي 12 مليون أسرة تحت خط الفقر، تصرف لهم الحكومة مساعدات مالية قدرها 826 جنيهًا شهريًا (16.30 دولار)، ووفقًا لآخر تقرير منشور من بحث الدخل والإنفاق لعام 2019/2020، فإن نسبة الفقر في مصر وصلت إلى 29.7%، مما يعكس تزايد الفقر بشكل مستمر منذ عام 2000 بحسب التقرير.
"صوت السلام" تحدثت مع بعض الأسر التي أكدت أن شراء ياميش بـ2000 جنيه يمثل عبئًا كبيرًا على الميزانية الشهرية، لأنه يقارب نصف رواتبهم الشهرية، وأجرينا تجربة عملية لمعرفة كمية الياميش وأنواعها التي يمكن شراؤها بـ2000 جنيه في ظل التضخم الحالي.
وتبين من تلك التجربة، أن الكميات التي يمكن الحصول عليها بهذا المبلغ لن تزيد عن ربع الكيلو من بعض الأصناف المحددة، دون النظر إلى المكسرات مثل اللوز والبندق، حيث ارتفعت أسعار الياميش هذا العام بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي، وفقًا للغرف التجارية.
أسر تلجأ للتقليص والحذف
قلّصت هدى وزوجها من كميات الياميش التي كانوا يشترونها كل عام من الكيلو إلى الربع وأحيانًا بـ20 أو 30 جنيهًا من الصنف دون القدرة على الوصول للحد الأدنى من الكمية: "لا يمكننا شراء ياميش بهذا المبلغ لأن ذلك يعني ضياع نصف الميزانية الشهرية".
بينما لا تستطيع سمية أحمد، أم معيلة لأربعة أطفال، أن تخصص 2000 جنيه لشراء الياميش، رغم أنها اعتادت منذ خمس سنوات شراء المكسرات والحلوى لإدخال السرور على أبنائها، وتضع مختلف المكسرات من اللوز والبندق على صواني الجلاش والكنافة.
تقول: "كنت اشتري ربع كيلو من كل نوع مكسرات بميزانية 300 جنيه للياميش بأكمله، لكن الآن أصبح كل نوع يتخطى الربع كيلو منه أكثر من 800 جنيه، لذا لن اشتري هذا العام الياميش سأكتفي ببعض الأصناف التي حددت لها ميزانية 500 جنيه فقط مثل المشمش وقمر الدين والتين المجفف".
تدفع سمية مصاريف الإيجار وفواتير المياه والكهرباء وتعليم الأبناء، وهي بنود تأكل نصف راتبها ولا يتبقى لها سوى أقل من 1500 جنيه لا يمكنها شراء الياميش بهم: "هناك بنود أخرى مثل العلاج وشراء الملابس هي أهم من الياميش الآن وتعتبر أولوية".
نفس الأولويات وضعتها دعاء زياد، ربة منزل من دار السلام، في قائمة مشتريات الشهر المقبل، والتي تقلصت فيها ميزانية الياميش إلى 500 جنيه، إذ أنها لا تستطيع وضع 2000 جنيه له رغم أن أسرتها مكونة من 4 أفراد: "الأعوام الماضية كان أطفالي يحبون المكسرات وكنت اشتري لهم من كل الأنواع لكن الآن سيحرمون منها".
توضح أنها ستكتفي بـ3 كيلو بلح، ونصف كيلو زبيب، وربع كيلو جوز الهند، ونصف كيلو من الفول السوداني، حتى لا تتخطى الـ500 جنيه وتترك باقي الميزانية للأساسيات.
تجربة ميدانية
أجرت "صوت السلام" تجربة ميدانية، لمعرفة ماذا يمكن أن تشتري 2000 جنيه من الياميش لأسرة مكونة من 4 أفراد في ظل هذا الغلاء، داخل سوق الفتح بمنطقة دار السلام.
على افتراض أن الكمية اللازمة لكفاية الأسر هي الكيلو، يصل كيلو المشمشية إلى 400 جنيه، وجوز الهند 320 جنيه، بينما المكسرات كانت أضعاف إذ وصل سعر البندق واللوز إلى 1000 جنيه للكيلو، لذا فإن الأصناف التي يمكن لأسرة مكونة من 4 أفراد شرائها بمبلغ 2000 جنيه ستكون بين 4 إلى 6 أصناف على الأكثر، وليس أمامها سوى حذف مزيد من الأصناف أو تقليل الكميات بما لا يكفي احتياجات الأسرة.
فعلت دعاء ذلك، إذ حذفت أصناف وقللت كميات أخرى، فإذا اشترت 3 كيلو من البلح بـ150 جنيه بالإضافة إلى نصف كيلو سوداني بـ60 جنيه، وربع جوز هند بـ50 جنيه، وربع كيلو من عين الجمل بـ200 جنيه، ستكون ميزانيتها 460 جنيه لأربعة أصناف فقط. تقول دعاء: "الأرباع تعتبر كميات قليلة للغاية ولن تكفي الأطفال ولكن أرغب في أن يتذوقونها فقط".
بينما قررت أم هدى وسط هذا الغلاء الاكتفاء بشراء بعض المشروبات للإفطار بميزانية 300 جنيه فقط، فوجدنا أنها ستكتفي بنصف كيلو من البلح بسعر 40 جنيه، ونصف كيلو زبيب 90 جنيه ومثلهم من جوز الهند بمبلغ 160 جنيه دون القدرة على الخروج عن حدود الـ 300 جنيه.
أما سمية التي قصدت سوق الفتح لشراء الياميش بمبلغ لن يتجاوز 500 جنيه كي لا يؤثر على البنود الأساسية، حددت أصناف وهي ربع مشمش بـ160 جنيه، وكيلو قمر الدين بـ 80 جنيه وكيلو تين مجفف بـ150 جنيه أي ثلاثة أصناف فقط.
يصل حجم واردات مصر من "ياميش رمضان" إلى 140 مليون دولار في العام 2024 بتراجع قدره 20% عن واردات ياميش رمضان 2023، في وقت ارتفعت فيه أسعار ياميش الموسم الحالي بنسبة 20% وفق بيانات الغرف التجارية، ونتيجة ذلك لن تستطيع هدى وسمية ودعاء شراء ياميش بـ2000 جنيه.