كتب قديمة وغير مرتبة، تحاول تقى، عشرينية، معرفة عنوان أحدهم إلا أن الأتربة التي تغلفه تعيق ذلك، تزيح بيدها الغبار المنتشر عليه، فتجده من إنتاج الهيئة العامة للكتاب بسعر 20 جنيهًا، تعود إليها ذكرياتها الخاصة مع إصدارات دور النشر الحكومية، إذ اعتادت منذ الصغر على زيارة أقرب فرع للهيئة في منطقة دار السلام.
هذه المرة زيارتها مختلفة، إذ توجهت فور أن وطأت قدماها أرض معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، نحو الهيئة العامة في صالة 1؛ ليس فقط لأن أسعارها مخفضة، بل لارتباطها بذكريات كثيرة مع إصداراتها التي تتسم بتنوع المواضيع والمحتوى الغني.
ما تزال دور النشر الحكومية داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب تحتفظ بالطابع القديم في عرض الكتب، وتربط الكثيرون بذكريات جميلة مع إصداراتها التي تتاح بأسعار معقولة وتخفيضات بنسبة 50%، مما جعلها الخيار الأول للعديد من محبي القراءة، مثل تقى.
ورغم مرور السنوات وتطور المعارض، إلا أن الدور الحكومية مثل الهيئة العامة ودار الترجمة، تحافظ على الطابع التقليدي في تنظيم أجنحتها، مما يبعث في النفوس شعورًا بالحنين إلى الماضي.
الهيئة العامة للكتاب
تقول والدة تقى التي ترافقها: "رغم أن المعرض الآن يتمتع بتنظيم أفضل في القاعات المغلقة، إلا أن الجو العام تغير كثيرًا، أفتقد تلك الأيام التي كانت تُقام فيها المعارض داخل خيم، حيث كان بإمكاننا التوغل بين أكوام الكتب المبعثرة والتمتع بتجربة البحث اليدوي، فلا تزال دور النشر الحكومية وتحديدًا الهيئة العامة تحتل مكانًا أكبر في قلبي".
بينما تقول تقى: "تظل الأجنحة الحكومية هي الأفضل، لأنها توفر الكتب التي نحتاج إليها بأسعار معقولة، وبالرغم من ذلك، أعتقد أن الجناح يحتاج إلى تحسين في تنظيم الكتب بشكل أفضل، لأنني أظل أبحث عن أفضل النسخ".
يتشارك معهما عبدالله، ثلاثيني، في نفس الشعور بالحنين تجاه دور النشر الحكومية، ما يجعل الهيئة العامة للكتاب وجهته الأولى والوحيدة في المعرض، بحثًا عن كتب التاريخ الذي يحب القراءة فيه.
تعلق عبدالله منذ الصغر بكتب سلسلة الجوائز للإبداع الصادرة عن الهيئة (روايات عالمية حصلت على جوائز)، وذلك بفضل والده الذي كان يتابعها، إذ أُعجب بجودة الترجمة والأغلفة التي تميز هذه السلسلة عن غيرها، وحرص على متابعة فروع الهيئة طوال العام، ويستغل تواجدها داخل المعرض بشكل سنوي للاستفادة منها.
المركز القومي للترجمة
في صالة 2 المقابلة لجناح الهيئة العامة، يقع جناح المركز القومي للترجمة، الذي يحظى بمكانة خاصة من زوار المعرض، لا سيما الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، بسبب احتوائه على ترجمات قديمة ونادرة وتخفيضات مستمرة.
من بين هؤلاء الزوار، يمنى، عشرينية، عرفت مركز الترجمة عن طريق رواية "قصر القمر" للكاتب الأمريكي "بول أوستر" التي نشرت لأول مرة خلال العام 1989، وتدور حول البطل "ماركو ستانلي"، شاب في الستينيات من القرن العشرين يبحث باجتهاد عن مفاتيح ماضيه.
تقول لـ"صوت السلام": "أحرص منذ كنت في الثانوية العامة على زيارة جناح الترجمة بالمعرض؛ للاستفادة من الخصم على بعض الترجمات التي لا توجد في دور النشر الأخرى".
يعزو تامر مصطفى، مدير التسويق والمعارض بالمركز القومي للترجمة، قدرة دور النشر الحكومية على الصمود في تقديم الإصدارات المختلفة وسط التطور التكنولوجي المحيط واحتفاظها بتلك المكانة، إلى الأسعار الزهيدة للكتب: "المركز يبيع الكتاب بسعر التكلفة فقط دون أن يضيف هامش ربح، وذلك بسبب حب وارتباط القرّاء به".
يقول لـ"صوت السلام": "نواجه بالتأكيد أزمات اقتصادية، ولكن نحاول الحفاظ على مكانتنا، ورغم أن أسعار الكتب في المركز ارتفعت هذا العام؛ بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار الورق وتكاليف إنتاج الكتب بشكل عام، إلا أن أسعار المركز رغم الارتفاع البسيط تظل أقل من دور النشر الخاصة؛ مما يجعل الزوار يحرصون على زيارة جناح المركز بشكل دائم للاستفادة من الأسعار".
يترجم المركز أكثر من 35 لغة؛ مما يضمن تنوعًا كبيرًا في الكتب المتاحة واختلاف الزوار، لا سيما أنه يترجم الموسوعات، والكتب الأدبية غير المشهورة، بالإضافة إلى كتب العلوم البحتة والمعاجم، وهو ما قد يتجنب نشره البعض.
بسبب التنوع في الإصدارات، يشارك المركز بشكل مستمر في المعارض الدولية الكبرى، مما ساهم في زيادة شهرته على الصعيدين الإقليمي والدولي، منها معرض الشارقة الدولي للكتاب في الإمارات، ومعرض الكويت الدولي للكتاب، ومن المقرر أن يشارك في معرضي الدوحة وأبوظبي الدولي للكتاب، مما يعزز من حضوره وتوسيع شبكة معجبيه في مختلف الدول.
الهيئة العامة لقصور الثقافة
على بُعد مسافة قصيرة من المركز القومي للترجمة، تقع الهيئة العامة لقصور الثقافة، المتخصصة في كتب التراث وأدب الأطفال وتنوع الأشكال الأدبية المعروضة، لذلك لا يفوت أحمد العوضي، الباحث في اللغة العربية، زيارتها بشكل دائم، إذ يجد فيها كتب التراث التي تدعمه في دراسته وتخصصه، لذلك فهي مصدرًا مهمًا له في بحثه الأكاديمي.
يقول أحمد: "رغم حبي لكتب التراث التي تصدرها الهيئة، لكن أرى أنها بحاجة إلى بعض التحسينات، خاصة فيما يتعلق بالتنظيم وجودة الأغلفة، الكثير من الكتب مقطوعة وأغلفتها قديمة، ويمكن ترميم تلك النسخ مع الاحتفاظ بالطابع التقليدي".
كان لافتًا للانتباه هذا العام أن الهيئة قدمت العديد من الإصدارات الجديدة بأغلفة مختلفة، بعيدًا عن اللونين الأخضر والبنفسجي المعتادين، مما أضاف تنوعًا وجاذبية جديدة للزوار.
ليس الكتب فقط هي محتويات الهيئة، ولكن تمكنت هذا العام من تقديم مجموعة متنوعة للمصنوعات اليدوية، إذ ضمت الأرفف بعض الأعمال المميزة مثل شنط الخرز، والإكسسوارات اليدوية (الهاند ميد)، بالإضافة إلى الأعمال النحاسية المختلفة.
تقول تغريد كامل، مدير عام التسويق لقصور الثقافة: "يعتبر ذلك نوعًا من الترويج لأنشطة الهيئة وإثبات اهتمامها بما هو أبعد من الكتب فقط؛ لأن تلك المنتجات لها زوارها أيضًا"، موضحة أن دور النشر الحكومية ما زالت تحافظ على مكانتها في المعرض تحت سقف وزارة الثقافة، ورغم قلة الإمكانيات وزحف الدور الخاصة من حولها، إلا أن الهيئة تحاول التطور ومواكبة احتياجات القراء، لإصدار ما يحتاجونه وتحديدًا ما لا تنشره الدور الخاصة.
ضم جناح الهيئة هذا العام نسخة من مجلة "قطر الندى" بسعر 3 جنيهات، بالإضافة إلى أرفف خاصة تحتوي على كتب تباع بسعر جنيه واحد، ذلك فإن ما يميز الهيئة هو تنوع محتوياتها، الذي يشبه ما تقدمه دور النشر الخارجية، ولكن بأسعار بسيطة في متناول الجميع، مما يجعلها واجهة مفضلة لمحبي القراءة.
رغم قلة الإمكانيات، تظل الهيئة العامة للكتاب، والمركز القومي للترجمة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، محطات هامة لزوار المعرض، عبر الكتب القديمة والأسعار الزهيدة.