تنساب مريم إبراهيم، عشرينية، بين الكتب داخل أجنحة وصالات معرض الكتاب، رغم علامات الإرهاق التي تبدو عليها، إلا أن الابتسامة لم تفارق وجهها وهي تستقبل الزوار، تتحرك بنشاط شديد لتوجههم إلى الصالات التي يريدونها وعناوين الكتب التي قد تثير اهتمامهم.
ورغم مشقة اليوم الطويل، تبقى حيويتها ومثابرتها تعدان مصدر إلهام، إذ تبذل جهدًا كبيرًا لخلق تجربة مميزة لكل من يزور المعرض: "نعتبر أنفسنا بوصلة إرشاد ودليلًا للزوار، لذلك تطوعنا لإيماننا بأهمية المشاركة في الحدث الثقافي ونشر روح التعاون".
مريم هي إحدى متطوعي معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، الذين يعدّون حلقة وصل بين الزوار والكتب، تجدهم دائمًا في حركة دؤوبة بين الأروقة والأجنحة، يجيبون على الاستفسارات، ويوجهون الزوار إلى العناوين التي يبحثون عنها، ويتنقلون بين الكتب والتجارب الثقافية بحماس، مما يضيف للمعرض روحًا خاصة تعكس الإبداع والتفاني في العمل.
مريم: "تطوع المعرض مختلف"
تطوعت مريم إبراهيم منذ أن كانت في الصف الأول الثانوي، ورغم الجهد البدني الذي يتطلبه التطوع، إلا أنها استمرت في العمل التطوعي حتى التحقت بالجامعة. اليوم، تشغل مريم منصب نائب قائد المتطوعين، حيث تتولى مسئولية توظيف المتطوعين يوميًا في الصالات، والتأكد من أنهم يأخذون فترات راحة.
ولم تكن مريم وحدها في قيادة الفريق، إذ يشاركها اثنان آخران يتوليان مسؤولية تنظيم البوابات والتجمعات أثناء الدخول والخروج، وأماكن الاستقبال قبل دخول القاعات.
تقول مريم لـ"صوت السلام": "لم أشارك في أي أنشطة تطوعية أخرى، لأن التطوع في المعرض يوفر ليّ جميع المهارات التي أحتاجها، ومشاركتي تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة تعزز سيرتي الذاتية وتمنحني دفعة قوية عند التقدم لأي وظيفة، إلى جانب روح التطوع التي لديّ منذ الصغر".
تتراوح أعمار المتطوعين في المعرض بين 16 إلى 24 عامًا، يتطوعون بوقتهم وجهدهم لتنظيم فعاليات معرض الكتاب بفعالياته بشكل مجاني، عبر برنامج "أنا متطوع" التابع لوزارة الشباب والرياضة، ويكون التقديم عبر استمارة متاحة على الصفحة الرسمية للبرنامج ويجب على المتطوع اجتياز المقابلة.
أروى.. سنة أولى تطوع
ذلك ما حدث مع أروى وليد، 18 عامًا، التي تعمل في المجال التطوعي منذ كانت في سن الثامنة من عمرها، ولكن العام الحالي هي المرة الأولى لها للتطوع في معرض الكتاب، بعد متابعتها لبرنامج وصفحة "أنا متطوع"، إذ اجتازت المقابلة الشخصية التي يتم من خلالها تحديد المتطوعين الأنسب للمشاركة بناءً على مهاراتهم الشخصية.
بعد قبولها، خاضت أروى فترة تدريبية مكثفة في أقرب مركز شباب للمتطوعين، حيث تعلمت تقسيم المعرض والصالات والمهام المطلوبة منها، وكيفية التحرك ومساعدة الزوار في الوصول إلى أهدافهم في المعرض.
تقول: "أقضي أغلب وقتي داخل الصالات لمساعدة الزوار في الوصول إلى الدار التي يرغبون بها أو حتى الكتاب المطلوب، وأحصل على استراحتين طوال اليوم أثناء العمل الممتد لـ9 ساعات في الصالة".
أكثر من 15 ألف شاب وفتاة تقدموا بطلبات التطوع لتنظيم معرض الكتاب وفق وزارة الشباب والرياضية، التي وصفت الرقم بالقياسي، خلال الأسبوع الأول من يناير، مما دفعها لمد فترة التقديم 7 أيام أخرى، وأجرت مقابلات لاحقًا بعد مع 2000 منهم، مما يعكس رغبة الشباب الكبيرة في التعاون.
زياد: "التطوع يُنمّي شخصيتي"
نفس غريزة حب التعاون دفعت زياد ممدوح للتطوع في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025 للسنة الثانية على التوالي، محاولًا من خلال تجاربه التطوعية تخطي العديد من الحواجز الشخصية التي كان يعاني منها، خاصة الانطوائية.
يقول: "أرى أن التطوع يُنمّي شخصيتي في الأساس، بالإضافة إلى أن إجادتي لثلاث لغات وهي العربية، الإنجليزية، والفرنسية، تساعدني في التواصل مع الزوار من مختلف الجنسيات، مما يثري تجربتي التطوعية ويجعلني قادرًا على تقديم أفضل مساعدة للجميع".
وعلى الرغم من عرض إحدى دور النشر عليه العمل معهم، إلا أنه اختار أن يواصل تطوعه مع الوزارة، لأنه يرى أن العمل في المعرض يمنحه مهارات تطوعية لا يمكن أن يوفرها له عمل بيع الكتب فقط في دور النشر.
إيلارية.. أصغر متطوعة
كانت إيلارية جرجس من زوار المعرض الدائمين، وقررت خوض رحلة التطوع هذا العام لأول مرة، ورغم المجهود البدني الذي يتطلبه العمل المجتمعي، إلا أن التعامل مع الناس والخبرة التي تكتسبها تعوضها عن ذلك.
لا تزال إيلارية طالبة في الصف الثاني الثانوي، لكن حبها للتطوع والعمل المجتمعي دفعها إلى خوض التجربة في سن صغير، حيث تشارك منذ أن كانت طفلة في أعمال تطوعية بالمدرسة وفي فرق الكشافة التي ساعدتها على تحمل الصعاب التي قد تواجهها.
تتعلم إيلارية في المعرض كيفية التعامل مع مختلف أزمات التجمعات بأشكالها المختلفة، مثل حالات الإغماء أو الاختناق نتيجة الزحام أو التكدس في مكان واحد، بناءً على التدريبات التي تلقتها سابقًا، تقول: "لغتي الفرنسية التي تعلمتها في المدرسة تساعدني على التعامل مع ثقافات متنوعة، كما أنها تسهل عليّ حل مشكلة التواصل مع الزوار الذين قد لا يتحدثون العربية".
تظل مريم وأروى وزياد في حالة نشاط دائم طوال أيام المعرض، ويستمرون في تقديم كل ما لديهم من طاقة وحماس لخدمة الزوار والمساهمة في نجاح الحدث الثقافي، ويعكسون من خلال تطوعهم روح التعاون والتفاني في العمل المجتمعي.