"السباحتان".. عن النجاة والأولمبياد

صورة أرشيفية

كتب/ت مريم أشرف
2024-08-14 11:00:05

في إجازة عيد الأضحى، قررت مشاهدة قائمة الأفلام التي أجلتها منذ شهور بسبب رغبتي في إعطائها كل الاهتمام أثناء المشاهدة، فهي مجموعة مميزة تضم أفلام عالمية وغير تجارية، كنت أتمنى مشاهدتها على شاشة عرض إحدى المهرجانات، التي اختارت تلك الأفلام، لكن شاشة منزلنا كانت وسيلة عرضها الوحيدة.

لم أكن أعرف أن إحدى مشاهداتي في عيد الأضحى، أثناء تناول "الفتة" وهي تفوح منها رائحة الثوم، ستبني وعيي بارتباط الرياضة بالحروب والنزاعات، وتجعلني أتابع أولمبياد باريس 2024 باهتمام شديد، رغم ما اعتدت عليه خلال السنوات الماضية مع كل أوليمبياد، لذلك أظن أن يسرا وسارة المارديني، السباحتان السوريتان غيرا وعيي، وكذلك وعي جمهور الفيلم أيضًا.

"يومًا ما أتمنى أن أسبح في الأولمبياد".. يبدأ الإعلان التشويقي لفيلم السباحتان "The swimmer" بتلك الجملة، التي تقولها يسرا بطلة الفيلم. فرّت يسرا برفقة أختها سارة بسبب الأوضاع السياسية المتأزمة في سوريا عام 2011، عبر هجرة غير شرعية، وبعد تعرضهم لخطر الغرق في منتصف البحر المتوسط، أنقذتهم يسرا من خلال ربط حبل قارب النجاة حول جسدها، وجرّ أوزانهم الضخمة وهي تسبح عبر البحر.

ساعتان وربع من البكاء.. مدة الفيلم كله، لكن دقائق الانهيار في مشهد السباحة بالبحر كانت هي الأصعب، وفي اللحظة التي رأى فيها المهاجرون شاطئ اليونان، كدت أصرخ من السعادة مثلهم، وظلت صورة الشاطئ المتراص عليه سترات النجاة تُلاحقني لأيام، وهي تُعبر عن حكايات النجاة من الحروب، وتجعلني أتذوق ملح المأساة في فمي، كما تدفعني لبُغض الحرب أكثر فأكثر.

بعد الوصول لليونان، ثم ألمانيا عن طريق التهريب، بدأت يسرا في ممارسة الرياضة مع مدرب جديد، بعدما كان مدربها في سوريا هو والدها، من علّمها هي وأختها سارة السباحة منذ طفولتهما، وهو من اقترح عليهما الهرب من سوريا لأنها لم تصبح آمنة بالنسبة لهم، برفقة ابن عمهما نزار.

بعد سنوات من التدريب، يقترح مدرب يسرا عليها الاشتراك في الأولمبياد من خلال فرقة اللاجئين، وهي فرقة تضم أغلب الرياضيين اللاجئين في العالم، لكنها ترفض بسبب رغبتها في تمثيل سوريا، غير أن سارة تنجح في إقناعها، بأن تلك الفرصة ستسمح لها بالتحدث عن سوريا وتمثيلها بشكل حقيقي حتى لو اعتبرها العالم فقط لاجئة، وتقول لها في جملة حوارية تُعدّ الأقرب لقلبي في الفيلم "اسبحي من أجل كل من مات محاولًا إيجاد حياة جديدة".

"حياة جديدة والحلم".. ذلك ما وضعه عزت والد السباحتين في وجدانهما وكان أساس تربيتهما، كانت تلك الأماني الدافع الذي حرّك بطلتي الفيلم، كما أعتقد أنه دافع بعض من شاركوا في أولمبياد باريس 2024، ففي لحظة فوز محمد السيد، لاعب منتخب مصر، ببرونزية أوليمبياد باريس لسلاح سيف المبارزة، واحتضانه لمدربه الذي هو في الأصل والده أيضًا، ذكّرني بيسرا، التي لاحقتها كلمات والدها خلال الهجرة ورحلة الأولمبياد.

فيلم السباحتان "The swimmers" من إنتاج 2021، عُرض على منصة "نتفلكس" في 2022، بعدما شارك في مهرجانات لندن وتورنتو والقاهرة السينمائي. الفيلم من إخراج سالى الحسيني وسيناريو سالي الحسيني أيضًا بالتعاون مع جاك تورن، وبطولة نتلي ومنال عيسى، اللتين جسدتا دور السباحتين، وأحمد مالك الذي لعب دور نزار رفيق رحلتهما وابن عمهما. الجزء المبهر بالفيلم أنه مقتبس عن قصة حقيقية، لرحلة سارة ويسرا مارديني، وهما سباحتان سوريتان، مرا بكل أحداث الفيلم من هجرة، وشاركت سارة في أولمبياد 2020 بطوكيو، كما فازت في سباق الفراشة في الجولة الأولى، واشتهرت بالعمل العام في حقوق اللاجئين والهجرة.