"الهوى سلطان"وحب "الطبقة المتوسطة" 

تصميم لباسم حنيجل

كتب/ت مريم أشرف
2024-11-16 12:14:25

حالة من الدفء والحب لازمتني طوال مشاهدتي لفيلم "الهوى سلطان"، ولاحقتني لساعات بعد الخروج من قاعة السينما. شعور جميل افتقدت أن أمر به في السينما منذ سنوات. فبعيدًا عن أية رسائل أو أسئلة يطرحها الفيلم، والتي تحتاج من أن أشاهده مجددًا بحثًا عنها، أو تحليل تقنيات صناعته، يخلّف الفيلم شعور لطيف، يساعد على حب الحياة حتى ولو لساعات قليلة. 

الفيلم من تأليف وإخراج هبة يسري، وبطولة منة شلبي "سارة"، وأحمد داوود "علي"، وبدأ عرضه في السينمات المصرية يوم 6 نوفمبر الجاري، وسط شهور الخريف، والطقس المناسب لاستقبال فيلم تصنيفه رومانسي، بينما بعد أول عشر دقائق تكتشف أن تصنيف الفيلم أعمق من ذلك. 

بخفة تتكشف علاقة سارة وعلي، التي قد تكون غامضة لبعض المشاهدين، لكن مع الوقت نُدرك أن الشخصيتين بينهما رابط قوي يجمع بينهما في الاهتمامات، ولحظات التوتر قبل مناسبة مهمة، وبعد معرفة نعرف أنها علاقة صداقة بدأت من الطفولة، خلقت بينهما مواقف كوميدية، ظهر أثرها في ضحكات الحضور في قاعة السينما. كان ضحك نابعًا من مواقف وليس "إفيهات" معتادة ومبتذلة، أغلبها منقول من مواقع التواصل، فيما كشفت المواقف الكوميدية بالفيلم مدى عمق علاقة الصديقين. 

كان المميز في تلك العلاقة أنها تشبه أغلب علاقات صداقاتنا، التي يجمعها ساعات من "الرغي" والأكل، وتكون أسعد لحظاتها الغناء مع أغاني بهاء سلطان وجورج وسوف، تخرج من سماعات سيارة متوسطة في شوارع مصر الجديدة، وليس سيارة "رانج روفر" وشوارع "كومباوند"، ذلك ما جعلني أستمر في أكل عبوة فشار كبيرة الحجم، لا أستطيع إنهائها في بعض الأفلام الأخرى، لكن ذلك ما فعله الفيلم، إذ حوّل عبوة الفشار وكرسي السينما إلى جلسة منزلية حميمة مع سارة وعلي. 

قبل عرض الفيلم بأسبوعين تقريبًا، ظهرت "أنا من غيرك" لبهاء سلطان كأغنية ترويجية للفيلم، التي عبّرت بكلمات عن تلك العلاقة، فإحدى الـ "كوبليهات" بصوت الفنان "قعدة عادية ومكالمة بتسأل فيها عليّ في العربية: واقفين والدنيا معدية، نرغي شوية، نضحك، نسمع كم أغنية". 

النصف الثاني تقريبًا من الفيلم يكشف جودة الصناعة؛ بداية من الحبكة البسيطة المصممة بشكل يناسب بساطة القصة، تطوّر الشخصيات الثانوية المنطقي، وتطور مشاعر علي وسارة، إلى جانب الحوار الواقعي الذي خرج من القالب الكوميدي، لقمة الصراع بالفيلم، لكنه ظل حقيقيًا وواقعيًا، يجعل المشاهد يقضي 140 دقيقة في مشاهدته دون ملل، حتى يصل إلى النهاية السعيدة المفتقدة. 

ينتابني شعور أفلام الألفينات مرة أخرى، تلك الأفلام التى تترك شعور لطيف، يدوم لساعات بعد المشاهدة. نمط نفتقده في السنوات الأخيرة، يحكي بالأساس عن الطبقة المتوسطة التي اختفت من الواقع ومن الفن، ليس بسبب الأزمة الاقتصادية فقط، بل وأيضًا لندرة الكتابة عنها في الدراما والسينما، وهو ما حققته قبل ذلك مخرجة الفيلم هبة يسري مع زميلتيها المخرجتين أيتن أمين ونادين خان في مسلسل "سابع جار"، ولاقت حينها اهتمامًا شديدًا وردود فعل مُحبّة للعمل بسبب اقترابه من شكل حياتهم، وشعورهم بأن ثمّة عمل درامي يحكي عنهم بالفعل. 

نجحت هبة يسري في أن تجعلنا نثق في وجود ولو مؤلف أو مخرج واحد يكتب عنّا كأفراد من الطبقة المتوسطة، عن صداقتنا وطريقة حبنا، نظرتنا للحياة التي تتلخص في جملة سارة التي ظهرت في الإعلان الرسمي للفيلم "نفسي أنام براحتي وأصحى براحتي، أشتغل شغلانة طيبة مع ناس طيبين"، وعن فرحتنا بالنهايات السعيدة، حتى وإن كانت مجرد نهاية في عالم مُتخيّل.