قبل أن تعبث أفكاري في الخوض في كلام الكبار مع أمي، تأكدت أنها ستسمح لي بالحديث معها عن الدورة الشهرية، فقد شارفت على سن العشرين أخيرًا، وأظن أنها تراني كبيرة كفاية، فلا يُسمح للبنات ما قبل العشرين بالحديث عنها، حتى لو كانت الدورة الشهرية تأتي لي منذ كنت في سن الخامسة عشر، فليس لي الحق أن أناقشها فيها سوى أنها فترة لنزول الدم فقط.
وتعرف الدورة الشهرية على أنها الدورة الهرمونية الشهرية التي يمر بها جسم الأنثى للتحضير للحمل، وتُعرَّف زمنيًّا بأنها الفترة من بداية اليوم الأول لنزول دم الحيض من دورة واحدة إلى اليوم الأول من نزول دم الحيض من الدورة التالية، وغالبًا ما يكون متوسط الدورة الشهرية حوالي 28 يومًا، وخلال الدورة الشهرية تزداد سماكة بطانة الرحم استعدادًا للحمل، عند عدم حدوث حمل تبدأ مستويات هرمون الإستروجين والبروجسترون في الانخفاض مما يؤدي إلى إخبار الجسم ببدء الدورة الشهرية، وتبدأ عادةً بعد حوالي عامين من بدء نمو الثديين، وتستمر مدة الدورة ما بين 2- 7 أيام، يميل تدفق الدم إلى أن يكون أكثر غزارة في اليوم الأول والثاني.
وتلازم الدورة الشهرية أعراض مرضية متعددة منها الشعور بآلام تشنجية في البطن أو الحوض، الشعور بآلام أسفل الظهر، انتفاخ وألم في الثديين، تقلبات المزاج، الشعور الصداع والتعب.
وراودني سؤال "هل تستحق المرأة العاملة الحصول على يوم أو يومين راحة في فترات الحيض؟"، كان رد أمي صادمًا لي "وهل تريدي أن يعرف كل زملائك في العمل أنك في فترات دورتك الشهرية عند غيابك عن العمل؟!".
لم أفهم حينها ما العيب؟!، ما النكتة المُضحكة من وجود ألم داخل جسدي يُسبب لي الإرهاق والاكتئاب؟!، فلنتخيل إذا كانت الدورة تأتي للرجل أجزم أنها سوف تُكتب في الدساتير والقوانين أن من حق الرجل أن يستحق يومًا أو أسبوعًا حتى للراحة.
أتذكر أني شاهدت منذ 6 سنوات تقريبًا إعلان على موقع الفيس بوك لشركة مصرية تُقرّ أنها ستمنح للسيدات الموظفين يوم راحة أثناء فترة الحيض، لكن الغريب في الأمر أنهم أسموها "إجازة الفترة المرهقة"، تعجّبت حينها من تلك التسمية حتى ظهر لي أثناء تصفحي المواقع تقريرًا صحفيًا تتحدث فيه موظفات الشركة عن مدى تأثير القرار عليهن، وكان رد إحداهن أن القرار جميل لأنه يخلق بيئة عمل مريحة، بجانب أن الشركة لم تُسمْ الإجازة باسمها الحقيقي لأنها تتعامل مع بيئة مصرية محافظة.
في تقديري كان قرارًا صائبًا، ولكن شعرت بعدم الارتياح من جملة "بيئة مصرية محافظة"، وكأن من يتحدث عن الدورة الشهرية بمصر سيكون خارج إطار الحفاظ على القيم المصرية للأسرة، أعتقد أننا علينا أن نتصالح مع كونها شيئًا عاديًا ليس وصمًا، وبعدها يمكن أن نُسنّ قانونًا يمنح المرأة وقتًا للراحة حينها.
وفي أثناء حديثي مع إحدى صديقاتي عن الموضوع أخبرتني عن معاناتها في منزلها، وهو عدم احترام تعبها خلال هذه الفترة حتي لا يشعر أخاها أنها متعبة، فتُجبرها والدتها بالقيام بأعمال المنزل، ولا يجب عليها حتى أن تُعبر عن تعبها حتى لا يسألها أحد فتضطر أن تذكر السبب.
قالت صديقتي إن وصم الدورة الشهرية أصبح مُتعبًا لها، وأنها حاولت التحدث مع والدتها، لكنها لم تتفهم الامر واعتبرتها قد فقدت حيائها كبنت.
النظرة الحادة التي ننظر بها لأنفسنا كسيدات قاسية، وتظلّ تُراودني تساؤلات لماذا لا نريد أن نُعبّر أننا نشعر بالتعب والإرهاق؟، ولماذا فرضنا أن الدورة الشهرية عيب ولا يجب على الجنس الأخر معرفتها؟، بالنسبة لي هي كنبض القلب مثلًا حركة طبيعية داخل الجسد.
وأظل أبحث عن إجابة لهذه التساؤلات التي تدور في ذهني لأجد أننا كنساء مسئولين عن كل شئ يحدث لنا، الأم مسئولة عن تربية أولادها وتعزيز دور كل منهم في الحياة بطريقة سليمة، وفهم طبيعة جسد كل منهم حتى لا تصبح الحياة متعبة على الطرفين.
لا أعلم لِمَ أتورط إذًا في كتابة هذه الكلمات، وعند نشرها سوف أقرر الهروب من المنزل لأن أمي ستُعلّق لي المشانق عند قراءتها.