خلال الخمسة أشهر الماضية، اضطر عبد الرحمن هاني تغيير الأسعار في "المنيو" الخاص بمطعمه لبيع البيتزا والفطائر في دار السلام أكثر من مرة، فالتزايد المستمر في أسعار الخامات التي يعتمد عليها في عمله وضعه بين كفيّ الرُحى، إما زيادة أسعار الوجبات أو إغلاق المطعم.
في كل مرة يطبع فيها عبد الرحمن "المنيو" الجديد يتكلف ما لا يقل عن 600 جنيهًا، وهو يستخدمه إما للدعاية أو لكي يكون الزبائن على دراية بالأسعار الجديدة، ولا يغير عبد الرحمن الأسعار فقط، بل يغير الوجبات أيضًا، خاصة بعد اضطراره للتخلي عن تقديم بعضها نظرًا لأن ارتفاع أسعارها، الذي جعل الزبائن غير قادرة على الشراء.
يهلّ رمضان على مطعم عبدالرحمن وغيره من أصحاب المطاعم في دار السلام، وبدلًا من كونه موسمًا يستعدون له سنويًا لتحمل أعداد الطلبات وقت الإفطار، تقف ارتفاع أسعار السلع والمواد التي تعتمد عليها المطاعم قلقًا مستمرًا تهدد بعضهم بالإغلاق.
يقول عبد الرحمن لـ"صوت السلام": "سعر شيكارة الدقيق التي تزن 50 كيلو، ارتفع من 280 جنيهًا إلى 750 جنيهًا وهناك من يبيعها بسعر يصل إلى 1200 جنيهًا، أما الجبن الموتزاريلا التي هي محور صناعة البيتزا، فارتفع سعر الكيلو منها ليصبح بـ100 جنيه بعدما كان سعره 40 جنيهًا فقط، ويعتبر الدقيق والجبن هما أساس المطعم ناهيك عن ارتفاع أسعار بقية الخامات".
انعكست أزمة ارتفاع الأسعار على حركة شوارع دار السلام، فبعدما كانت صاخبة وتعج المطاعم بالآكلين، خفتت الأصوات وانخفضت أعداد المقبلين على شراء الوجبات الجاهزة، وهذا ما حدث لمطعم عبد الرحمن الذي كان يشهد إقبالًا من محبي المعجنات، قبل أن يتغير الوضع وتصبح أسعار وجباته غير مناسبة لسكان الحي.
انخفضت مبيعات عبدالرحمن اليومية للنصف تقريبًا مما وضعه في ضائقة مالية كبيرة،على حد وصفه، فهو يشتري خامات الطعام ويدفع إيجار المطعم وإيصالات المرافق ورواتب العمال بالأسعار الجديدة، وفي المقابل لا يستطيع رفع ثمن وجباته بما يتناسب مع هذه الزيادة الكبيرة لأن الزبون سيعزف عن شراءها، وبالتالي لا يستطيع عبد الرحمن حاليًا تغطية رأس ماله.
ارتفعت أسعار البيتزا إلى الضعف، مما أثقل كاهل الأسرة التي تريد تناول الطعام الجاهز حتى ولو ليوم واحد أسبوعيًا، فيوضح عبد الرحمن: "كان يتراوح سعر البيتزا ذات الحجم الكبير بين 25 و35 جنيهًا، ولكن أصبح ثمنها الآن 50 جنيهًا، فبدلًا من أن تدفع أسرة مكونة من 5 أفراد 100 أو 150 جنيهًا أسبوعيًا، ستدفع الآن 200 أو 300 جنيهًا ثمنًا لتكلفة وجبة غداء واحدة، وللأسف لم تواكب المرتبات زيادة الأسعار، فتخلت الأسر عن شراء الوجبات الجاهزة مقابل توفير احتياجاتها الأساسية".
ضغطت أزمة ارتفاع الأسعار على أصحاب المحال، حتى اضطر البعض إلى اللجوء لخفض العمالة، مثلما حدث مع عبد الرحمن الذي خسر مساعدين أساسيين له، كانا يعملان معه لمدة 4 سنوات، مشيرًا إلى أنه غير سعيد لما آلت إليه الأمور، ولكنه لا يستطيع لوم من تركه، فكلًا منهما رب أسرة وواجب عليه إعالتها.
لم يؤجل عبد الرحمن وشريكه حلمهما بتطوير المطعم والتوسع بافتتاح فروعًا أخرى له فقط، بل أصبحا يعملان بإيديهما يوميًا منذ الساعة الحادية عشر صباحًا وحتى الساعة الثالثة فجرًا، فيقول عبد الرحمن: "أشعر بأنني مرهق دائمًا، فأصبحت أعمل كطباخ، كاشير، وعامل توصيل، مبقتش أشوف عيالي تقريبًا، فيجب أن أوفر لهم نفقاتهم فهذه هي أولويتي".
في ظل إغلاق عددًا من مطاعم دار السلام لأبوابها بسبب الخسارة، مازال يعافر عبد الرحمن وشريكه، فبالرغم من شعور الحسرة الذي تخلل نفس عبد الرحمن خوفًا من غلق أبواب المطعم قريبًا، وضياع أمواله وسنوات عمره التي قضاها في بناء مشروعه الصغير، إلا أنه قرر البقاء صامدًا لعله يستطيع النجاة.
مثلما تأثر أصحاب المطاعم التي تقدم الوجبات الفاخرة مثل البيتزا، المعجنات واللحوم بأزمة ارتفاع الأسعار، تأثر أيضًا أصحاب مطاعم الوجبات الشعبية التي تبيع ساندويتشات الفول والطعمية، فهم اضطروا أيضًا إلى رفع سعر وجباتهم ليصبح سعر ساندويتش الطعمية 4 جنيهات، بعدما كان ثمنه في السابق 2 جنيه فقط، هذا بجانب ارتفاع أسعار المقبلات التي لا تكتمل الوجبة إلا بوجودها، مثل البطاطس، الطحينة، المخلل وغيرها، مما جعل سعر وجبة الإفطار عبئا على الكثيرين.
ورغم أن هذه المطاعم تعتبر مرتكزًا رئيسيًا في وجبات "السحور" في شهر رمضان، إلا أن ارتفاع الأسعار لا يستطيع أن يتحمله كل من اعتادوا على شراء وجباتهم الجاهزة من المطاعم. فعلى جانب الأسر؛ بدأت وصفات التدميس تنتشر بين البيوت، أو الاستغناء عن أطعمة باتت رفاهمية مثل "البطاطس".
تعتبر الكبدة والسجق واحدة من أشهر الوجبات الشعبية في دار السلام، ويبرع مطعم محمد عبد الباسط الشهير بـ"محمد كفتة" في طهيهم، بجانب قائمة طويلة من ساندويتشات اللحوم المختلفة، ليظل مطعم محمد واحدًا من أنجح المطاعم في المنطقة حتى شهر سبتمبر الماضي، عندما اضطر إلى تقليص قائمته لتقتصر على طهي ساندويتشات الكبدة والسجق والشاورما فقط، حيث عزف الزبون عن شراء أي ساندويتش غال الثمن.
اختار محمد عدم طباعة قوائم الأسعار وفقًا لتغير الأسعار المستمر، بل قام بتعليقها على الحائط لأن ذلك أرخص في التكلفة، كما أن الأسعار التي زادت حتى الآن بنسبة 20% ستكون واضحة للزبون وضوح الشمس، فيقول محمد: "هذه الزيادة لا تحقق لي أي ربح، ولكنها كانت مهمة حتى لا أضطر إلى إغلاق المطعم، حيث قلت نسبة المبيعات كثيرًا عن السابق".
ضرب محمد مثالًا على ارتفاع خامات الطعام بسعر زجاجة الزيت، فهو كان يشتري الزجاجة سعة 20 لتر مقابل 210 جنيهًا، حتى وصل سعرها في أكتوبر الماضي إلى 875 جنيهًا، ليبلغ ثمنها 1300 جنيهًا في شهر يناير الماضي، مشيرًا إلى أنه يشعر بالقلق إزاء هذه الأزمة المالية التي لم يشهدها طوال ثلاثين عامًا مدة عمله في مجال المطاعم.
للنجاة من الأزمة تلجأ العديد من المحال حاليًا إلى تقليل كميات الطعام المقدمة للزبائن، وبعضهم يخبر الزبون بذلك لأنه يلاحظ الكمية المقدمة له في كل الأحوال، فبهذه الطريقة يحصل صاحب المحل على نسبة من الربح من جهة، بينما يحصل الزبون على وجبة رخيصة نوعًا ما تشعره بالفرح بالتغيير عن تناول الطعام المنزلي التقليدي يوميًا من جهة أخرى.