لسنوات؛ كانت ميادة عبد الهادي تفضّل "حقنة البرد" كلما شعرت بأي من أعراض دور البرد على مدار العام، تقول أن مفعول الحقنة السريع في جسدها كان يجعل حياتها "أكثر سهولة" على حد وصفها، وذلك مذ أن كانت طالبة جامعية، خصوصًا أوقات الامتحانات، ثم الالتزام بمواعيد عملها، خصوصًا مع عدم السماح لها بالإجازات الطويلة.
تتحدث أماني عن الحقنة المشهورة في الصيدليات ب "حقنة البرد" كما لو كانت ساحرة، لا يشعر معها المريض بأعراض دور الأنفلونزا المعتادة؛ "همدان" الجسم أو ارتفاع الحرارة أو الصداع بما يعيق سهولة حركة الشخص واحتياجه للمكوث في المنزل والراحة ليوم أو يومين على الأقل.
اشتهرت حقنة البرد -التي يعود ظهورها إلى عام 2014- بين صيدليات دار السلام وبالتالي المواطنين أنفسهم بسبب سرعة فعاليتها. فكيف لا ٌيقبل عليه من لا يملك رفاهية الحصول على الأجازة، وما أكثرهم هنا في دار السلام؟
عمال اليومية، عمال القطاع الخاص الذين لا تسمح لهم أماكن عملهم بالأجازات خصوصًا تعامل أغلبهم على أنه "مجرد دور برد"، ربات البيوت اللاتي لا يساعدهن أحد سواء في أعمالهم أو مسؤوليات يراكمها عليهن أفراد أسرهم دون استثناء، وكثير ممن لا يستطع أن يتوقف ليوم واحد -فما بالك لأيام- عن السعي خلف رزقه أو من يعولهم.
بدون روشتة كانت علياء تحصل على الحقنة، تتوجه إلى الصيدلية وتطلبها وفي دقائق يكون قد سرى مكونها في جسدها، وخلال وقت قصير تعود إلى حياتها الطبيعية.
مع بداية هذا العام، أطلقت وزارة الصحة والسكان على حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحذيرات من مخاطر "حقن البرد"، والمعروفة أيضًا في بعض الأوساط الشعبية ب "حقنة هتلر"، موضحة أن المواد التي تدخل في تكوينها مثل الكورتيزون والمسكنات وخوافض الحرارة تهدد حياة مرضى السكري وضغط الدم المرتفع ومرضى الكبد والقلب والربو، كما يزيد من احتمالية الإصابة بقرحة المعدة ويؤثر على وظائف الكلى، بل وأضافت أن هذه الحقن تدخل في إطار المضاد الحيوي الذي يستهدف العدوى البكتيرية ولا يعالج نزلات البرد لأنها عدوى فيروسية.
لم تكن علياء ولا غيرها من المواطنين يعلم مكونات الحقنة، ربطت علياء بين حصولها على الحقنة من الصيدلية وأمانها، باعتبار أن "مش هيدونا حاجة تضرنا أكيد".
ولكن مع تشديد الوزارة ونقابة الصيادلة على منع الحقنة، اختفت في كثير من صيدليات دار السلام. من وقتها؛ تحاول علياء إيجاد بديل بلا جدوى، تقول أن الأدوية العادية تأخذ وقت طويل لمواجهة الفيروس، وهي لا تملك رفاهية ذلك. تضيف: "بحثت عن عيادة طبيب قريبًا من مسكنها حتى تذهب له في حالات الطواريء لتطلب أن يكون علاجها بالحقن لأنها فعّالة أكثر من وجهة نظرها".
"الموضوع بدأ من كيس مجموعة البرد، الكيس كان فيه أقراص بنفس المواد الفعالة للحقنة ثم تحول إلى حقنة في عام 2014"، هكذا قال أحمد سامي، صيدلي، لـ"صوت السلام"، مضيفًا أن العودة بسرعة إلى العمل بالنسبة لسكان الأحياء الشعبية أمر مُلح أكثر من الاهتمام بفكرة "تعافي الجسم من الفيروس".
وفقًا لـسامي، فمن المفترض أن جرعة الحقنة تؤخذ على مدار ثلاثة أيام بما يسمى "كورس علاجي" ويكون تحت إشراف طبيب يختار نوع المواد التي تتكون منها كي تتناسب مع كل مريض على حدة، لكن لم يكن هذا ما تم تطبيقه على مدار السنوات الماضية، حيث انتشر استخدام هذه التركيبة كحقنة سريعة تؤخذ مرة واحدة، يقوم بتركيبها العاملين في الصيدلية وبدون إشراف، ومع الوقت بدأت تظهر أضرارها وأثارها السلبية على المرضى.
"بدأ الناس في شراء حقنة البرد بسعر 9 جنيهات فقط ولكن مع زيادة الإقبال وصل سعرها لـ52 جنيهًا، وهي تحتوي على مضاد حيوي وكورتيزون وخافض للحرارة ويطلق عليها الصيادلة كوكتيل البرد"، هكذا قال إيهاب محمد، صيدلي.
يوضح إيهاب أن تركيبة الحقنة خطرة بسبب وجود الكورتيزون الذي قد يؤدي إلى وفاة مرضى القلب والسكر، مشيرًا إلى أن الحقنة قد تسبب أيضًا حساسية الجلد والتشنجات العصبية المحتملة التي يمكن أن ينتج عنها بلع اللسان والوفاة.
رفض إيهاب المشاركة في انتشار حقن البرد بين المرضى في صيدليته منذ ظهورها، حتى قبل تحذيرات وزارة الصحة، بسبب قلقه منها فكان يقترح على المرضى بدائل غيرها، مشيرًا إلى أنه شعر براحة كبيرة بعد تحذيرات وزارة الصحة لعدم اضطراره لتحمل مسئولية الحقنة الخطيرة، حيث أصبحت لا تخرج من الصيدلية إلا بعد مراجعة الروشتة المكتوبة من الطبيب.
تنوعت طرق التحذيرات ضد حقن البرد، فبجانب الإعلان على صفحات الفيسبوك الرسمية للوزارة، وصلت التحذيرات للأطباء والصيادلة أيضًا من خلال نشرات الشركات المصنعة للمواد الفعّالة للحقنة، وطبق الجميع القواعد منذ بداية فصل الشتاء.
باتت الطريقة الوحيدة للحصول على الحقنة من خلال روشتة الطبيب، ثم يجري المريض اختبار حساسية للمواد الفعّالة يستمر لـ10 دقائق لمعرفة مدى تأثير هذه المواد على جسده، وفي حالة وجود حساسية يخبر الصيدلي المريض ويترك له القرار، ليحصل المريض بعد ذلك على الحقنة يوميًا لمدة ثلاثة أيام، وفى اليوم الثاني يقوم بإجراء اختبار الحساسية مرة أخرى لزيادة الأمان.
يشعر إيهاب حاليًا بحالة من الغضب تسري بين جمهور حقن البرد بسبب اعتمادهم عليها لسنوات طويلة، فهم يشعرون لأول مرة هذا الشتاء بأزمة فيروس الأنفلونزا، محاولين البحث عن بدائل تشبه الحقن التي كانت تناسب روتين حياتهم السريع.