حمادة عباس.. فنان صنعته العائلة والمدرسة وقصر الثقافة

تصوير: محمد والي - حمادة عباس أمام بوابة مرسمه

كتب/ت محمد والي
2025-02-22 10:00:00

الرسم اليدوي مهنة من أقدم المهن التي عرفها الإنسان، فآثارها محفورة على جدران المعابد والمعالم الأثرية، فقد كانت إحدى الوسائل الأبرز لتوثيق التاريخ القديم، وحتى وقتنا الحالي لا تزال تحجز مكانًا بين المهن، ولكن على استحياء، بسبب قلة إقبال متعلمين جدد، وصعوبة الاعتماد عليها كمدخل رئيسي وأساسي.

الأمر كان مختلفًا مع "حمادة عباس"، الذي اتخذ الرسم اليدوي، هواية ومهنة ومصدر دخل أساسي وثانوي، واستطاع أن ينجح في افتتاح مرسم بمنية سندوب بمدينة المنصورة، ليُسطّر قصة مختلفة في سيرة موهبته بتعليم الرسم للأطفال، ليستكمل رسالة والده الذي علمه حب هذا الفن منذ الصغر.

داخل مرسمه الصغير، يجلس "حمادة"، ويبدأ الحديث، فيما يُنهي إحدى أعماله المرسومة بالفحم، بقوله "منذ كنت صغيرًا وأنا أعشق الرسم، لدرجة أنني يوميًا كنت أرسم قبل أن أخلد للنوم، ولكن في هذا الوقت كنت أرسم كطفل، بدون قواعد وأسس الرسم الصحيحة، والحقيقة أن الفارق الأول الذي دفعني كان تشجيع كل أفراد العائلة على الاستمرار في الرسم، مع التنبيه على ضرورة الاهتمام بدراستي أيضًا".

العائلة والمدرسة وقصر الثقافة.. هكذا وصف "حمادة" المعادلة السحرية لاكتشاف وتنمية موهبة أي طفل، حيث قال: "والدي هو من اكتشف موهبتي أيضًا، ثم أخواتي وجميع أصدقاء المدرسة في مرحلة الابتدائية، وحينها كنت أرسم صورًا شخصية للأقارب والغرباء، كطريقة لتحسين مستوى الرسوم التي أقدمها طفل".

وأضاف حمادة في حديثه "عالم الرسم واسع ومتشعب وله مستويات كثيرة، كان والدي رسام بالفطرة، وقد ورثت منه الجينات الفنية، وبعض أخواتي لديهم نفس الجينات أيضًا، فمنهم من نمّاها، ومنهم من عمل بمهنة أخرى. بداية طريقي للاحتراف كان الاهتمام بتنمية الموهبة بشكل تطبيقي وأكاديمي في نفس الوقت".

وأكمل قائلًا إنه على الجانب الآخر كان معلمه، والذي يذكره بالاسم حتى الآن، الأستاذ رؤوف مدرس التربية الفنية في المرحلة الابتدائية، فهو أول معلم أشار إليه بأن رسومه جميلة، وبها تعبيرات ومعاني عميقة، وطالبه حينها بالاستمرار في الرسم، مؤكدًا أن مستقبل باهر ينتظره.

أما المرحلة الثالثة، والتي أكملت مثلث تنمية الموهبة، فكان اشتراك "حمادة" طفلًا في مسابقات بقصر ثقافة المنصورة، ويذكر قائلًا "أول رسمة احترافية رسمتها كطفل، كانت خلال مسابقة عن السياحة في مصر، نظمها قصر الثقافة بمدينة المنصورة، فقد حصلت حينها على أول جائزة عن رسومه، وكانت شهادة تقدير".

ومع استمراره في تنمية موهبته استطاع تحويلها لمهنته الأساسية، حيث يعمل "حمادة" كمعلم تربية فنية بمدرسة منية سندوب الابتدائية، كما عمل في مجال الديكور كمنسق زهور صناعية، أما الحلم الأكبر والأهم فهو أنه استطاع افتتاح مرسمه الصغير بمدينة منية سندوب، وتحديدًا بشارع موقف الملاكي.

الجدران الأربعة الصغيرة، كانت أحد أهم أحلام الطفل الصغير، الذي علّمه والده ورعاه معلمة بالمدرسة وصقلت منافسات قصر الثقافة موهبته، ومنذ 12 عامًا استطاع تحقيق هذا الحلم، بإمكانات ضعيفة جدًا حسب وصفه.

يقول "حمادة": كان حلمي بالمرسم أن أعلم الرسم للكبار والصغار، وعندما أتيحت لي الفرصة، لم أتوانْ عن المضي قدمًا فيها، وأذكر أن المرسم في بدايته كان عبارة عن منضدة صغيرة اشتريتها لتعليم الرسم عليها، وأربعة حوائط خالية من أي شيء آخر.

ويكمل حمادة "لم تكن الرحلة سهلة، خاصة في بدايتها، فغلاء أسعار الإيجارات شكل عائقًا في بداية الأمر، كما كانت الضوضاء أزمة أخرى تخالف طبيعة الأجواء المطلوبة لتعليم الرسم وممارسته، فالمرسم في شارع رئيسي بمنطقة موقف الملاكي، بحي منية سندوب".

تجربة حمادة لتعليم الصغار، سواء في المرسم أو المدرسة، جعلته عين اختبار جيدة لاستبيان مشكلات الجيل الجديد من الأطفال مع الرسم، فوفقًا لتجربته يرى أن أصعب ما يواجه الجيل الجديد من التلاميذ هو غلاء أدوات الرسم، وهو ما يزيد افتقارها لفرص تنمية مواهبهم، وحتى تعلم الأساسيات وممارسة الرسم كنشاط ترفيهي.

يقول "حمادة": "تعليم الاطفال شي ممتع، خصوصًا إذا كان الطفل موهوب ويحب الرسم، وتشجيع الأهالي له مفعول السحر في إعطاء الطفل دفعة للأمام، وأنا أمارس هذا التعليم كرسالة، ومحاولة لصنع فنانين المستقبل، فربما يتصاعد منهم لمستوى أفضل ويكون لهم قدرة على المشاركة في معارض باسم مصر".

ويضيف قائلًا: "رسومات الأطفال بها إبداع مختلف، وكل طفل له ميزة معينة في التعبير عما بداخله والاستمتاع بالتلوين، وأكثرهم يبدعون في رسوم شخصيات الكارتون والأسماك تحديدًا".

ورغم أن الطفل في الزمن الحالي لديه فرصة أكبر لتلقي تعليم الرسم وفهم مجالات متعددة، بسبب الإنترنت ومقاطع الفيديو التعليمية، إلا أن أصعب تحدي هو وجود طفل موهوب، لكن إمكانياته المادية الضعيفة تمنعه من شراء أدوات الرسم والخامات بسبب غلاء أسعارها.

هذا التحدي أيضًا سعى "حمادة" لتخطيه، حيث استطاع تصنيع أدوات رسم وألوان يدويًا، بخامات بسيطة ورخيصة متوفرة، ليقوم بتعبئتها في عبوات، ليستخدمها الأطفال بالمرسم، كحيلة لتجاوز عقبة غلاء أسعار الخامات والأدوات.

وأمام هذه المبادرات، يمارس "حمادة" أكثر من مهنة، في محاولة لتغطية مصروفات المرسم، وتحقيق هامش ربح، إذ يعمل كخطاط وينفذ رسوم وديكورات داخلية بالمنازل، كما يقدم خدمات رسم البورتريه بمقابل مادي، يتراوح بين 200 جنيه و1500 جنيه حسب حجم الرسم، فيما يقدم خدمات تعليم وتدريب الأطفال على الرسم بسعر 300 جنيه فقط، مقابل 10 حصص شهريًا، أما تكلفة تدريب الكبار فحددها بـ400 جنيه يقدم خلالها 10 حصص خلال شهر. 

بينما يرى "حمادة" أن أكبر تحد يواجهه هو حاليًا، يتلخص في البيئة المحيطة لفنان الأقاليم البعيدة عن العاصمة، وفسر قائلًا: "المعلومات المتوفرة لرسام الأقاليم أقل، بحكم البيئة التي يعيش بها، وهي بيئة محدودة، ترى الفن كعنصر ترفيهي، كما أن الرسام بالأقاليم مجال عمله وفرص شهرته محدودين على عكس فناني العاصمة".

وعلى الرغم من ذلك يقول "حمادة": "لا أرغب في السفر إلى أي بلد، ففي رأيي، لدي بالنسبة للجميع هي اجمل بلد، وليس لدي نية لهجرتها، وتجربتي بالمرسم جعلت شخصيتي مختلفة من حيث الهدوء النفسي والحكمة وعدم التسرع في ردود فعلي على الآخرين، والتحضر في معاملة الناس واحترام جميع الآراء".

أما حلمه الأسمى، فلا يزال "حمادة" يحلم بأن يكون رسامًا مشهورًا وعالميًا، وأن يتخرج من تحت يديه طلابًا من المنصورة، يصبحون رسامين معروفين في الوسط الفني، وأن يفتتحوا بدورهم مراسم تليق بفنهم ومستواهم

 

تصوير: محمد والي - مرسم حمادة عباس بلامنصورة