في قريتي لا يعترف الناس بما يُقال عن #الزواج_المبكر أو "#زواج_القاصرات" أو أيًا ما تطلقه المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية من مصطلحات لوصف زواج من هن تحت سن 18 عامًا، أو ما تطلق عليهم القوانين ومواثيق #حقوق_الانسان "الأطفال".
هُنا، بمجرد أن تتم الفتاة سن البلوغ يبدأ السؤال عن موعد زواجها وتصير مثار أحاديث كل المحيطين بها، فالعادي هو الزواج في هذه السن الصغيرة، وليس العكس، ووسط هذا الضغط الكبير، من الطبيعي أن ترضخ الفتاة للعائلة وتتزوج.
في قصة أميرة -اسم مستعار- كان قرارها باستكمال تعليمها وما تحملته من معاناة في سبيل ذلك نموذجًا لكل ما ترثه الفتيات هنا من عادات وتقاليد تخلط بين الواجبات والحقوق ونفوذ القوة والاستضعاف، خصوصًا بعد الزواج.
ففي البداية؛ لم يكن لها الحق في قبول الزواج أو اختيار الزوج من الأساس، فقد اتخذت أسرتها القرار وأجبروها عليه وهي في السادسة عشر من عمرها، وأمام رغبتها في التعليم كان عليها تحمُّل كل ما أوكل إليها من مهام، ليس فقط الخاصة ببيتها، بل أيضًا المهام الخاصة بأسرته وما كانت تزيده والدته عليها من طلبات، فهي معارضة لأن تستكمل زوجة ابنها الدراسة، ولذلك تعمدت توجيه الطلبات إليها، حتى إذا رفضت أو قصرت فيها من وجهة نظرها، يكون لديها الحق في الضغط على ابنها للمطالبة بتوقف زوجته عن الدراسة.
لم تستطع أميرة مناقشة زوجها في تقليل الأعباء المنزلية من على كاهلها، فمجرد موافقته على استكمالها لتعليمها فتح ضده بابًا من الانتقادات من قبل أسرته على اعتبار أن هذه الموافقة تعني تنازله عن حقه في أن يكون تركيز زوجته كله للمنزل، فتقول أميرة: "ينقل الزواج هنا الفتاة من خدمة أهلها إلى خدمة زوجها وأهله، فالفكر الشائع أن الزوجة مُلزمة بتقديم هذه الخدمات، ولا تفرّق العادات بين مسؤوليتها تجاه منزلها ومنزل العائلة".
وأضافت: "عانيت، وكأني بدفع ثمن قراري، فكنت أمام تحدي إني أكمل التعليم بشرط مقصرش في خدمتهم، استيقظ في الصباح الباكر، وأبدأ في العمل في الشقة، وقد أسافر إلى المدينة صباحًا لحضور الدروس الخصوصية، وأعود لأكمل أداء بقية أعمال منزلي ومن ثم قضاء طلبات حماتي في منزلها ورعاية دواجنها اللي بتربيهم".
لم تدعم عائلة أميرة رحلتها لاستكمال التعليم، تعلق قائلة: "أمي وجدتي وأقاربي اتجوزوا في نفس السن، وكل اللي بتتجوز بتسيب التعليم، فطبعًا هما كانوا معترضين، مثلهم مثل عائلة زوجي، كان تفكيري أنا اللي غريب بالنسبة للجميع".
في الصف الثالث الثانوي أنجبت أميرة طفلتها الأولى، تقول: "كنت لا أنام تقريبًا، فأخدم الجميع ورضيعتي طوال اليوم، وفي الليل أسهر لأدرس، كنت أشعر أن التوقف عن خدمة أي أحد من حولي سيكون مبررًا لهم للضغط على زوجي كي يمنعني من الدراسة".
كان الاتفاق أن تتوقف أميرة عن الدراسة بعد المرحلة الثانوية، ولكن حصولها على مجموع مرتفع، جعلها تعيد الحديث مع زوجها للالتحاق بأحد كليات الشريعة الاسلامية، "في الحقيقة، رغم أن زوجي لم يكمل تعليمه، إلا أنه كان داعمًا لي لاستكمال دراستي، كان يعلم أن التعليم مهمًا".
لم تكن الوالدة فقط هي من تشعر بالاستحقاق في التدخل في حياة ابنها وزوجته والاعتراض على قبوله أن تلتحق أميرة بالجامعة، كان إخوته أيضًا يتدخلون في الأمر وكأنه حقًا لهم: "كانت تخيفه، تقول له هتبقى أحسن منك ومن إخواتك، لكي يمنعني من التعليم، لكنه لم يفعل".
في الجامعة، استمرت أميرة في مهامها المتكدسة، تصطحب أحيانًا طفلتها معها إلى الكلية، وأحيانًا أخرى تعتمد على والدتها أو أختها في رعايتها خصوصًا بعد إنجابها لطفلها الثاني وهي تدرس في عامها الرابع بالكلية.
خلال الحديث مع أميرة، تلحظ حماسًا كبيرًا يغلّف علاقتها بالتعليم، تقول أن هذا كان دافعها لتحمل كل هذه الضغوط والمعاناة التي قد لا تتحملها أخريات، وبالتالي يضطررن في الأغلب إلى التنازل الذي يكون في صالح الزواج بالطبع، بل كادت تتعرض للطلاق لرغبتها في الحصول على شهادة الدراسات العليا، فاعترض زوجها في البداية قبل أن يغير رأيه مجددًا ويوافق، تقول: "كان يدرك شغفي تجاه الدراسة، وطموحي أن أتعلم وأفيد من حولي".
وتضيف: "البنات هنا تحت ضغوط مستمرة، فأنا عانيت عشان أحصل على حق واحد لي اني أكمل تعليمي، لكن في المقابل لو مكنتش اتجوزت كنت هعاني بردو من ضغط المحيطين بي وهما أمهات وأنا لأ وكنت سأشعر بالوحدة".
تقول منظمة اليونيسيف أن معدل زواج الأطفال في العالم يصل إلى واحدة من كل أربع فتيات قبل عقد من الزمن، ورغم أنه تناقص الآن إلى واحدة من كل خمس فتيات، إلا أنها لا زالت ممارسة "واسعة الانتشار"، وتعرّف المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة للطفولة، زواج الأطفال بأنه أي زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي بين طفل تحت سن 18 عامًا وشخص بالغ أو طفل آخر.
وتشير اليونيسيف إلى أنه غالبًا يكون زواج الأطفال نتيجة لانعدام المساواة بين الجنسين، ما يجعل الفتيات يتأثرن على نحو غير متناسب بهذه الممارسة، وأنه على الصعيد العالمي، لا يمثل انتشار زواج الأطفال بين الأولاد سوى سُدس نسبته عند الفتيات.
وفي مصر، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في آخر مسح ديموغرافي صحي، فإن 117 ألف طفلًا في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عامًا متزوجون أو سبق لهم الزواج، وترتفع النسبة في المناطق الريفية لتصل إلى 37% من النساء مقابل 17% ممن يقطنّ المناطق الحضرية، والزواج يدفع الفتيات على الأخص إلى هجر التعليم بسبب أعباء الأسرة والانجاب.
تنظر أميرة إلى طفلتها وتقول أنها لن ترضى لها المرور بنفس معاناتها، وأن قصتها ستكون نهاية لهذا السلسال من الزواج المبكر على الأقل على مستوى أسرتها الصغيرة، وعلى المستوى الشخصي ستسعى أميرة إلى أن تحصل على الدكتوراة وتعمل في المجال الأكاديمي إن أمكن، تقول ذلك بكل حماس وتضيف: "في بعض الأفكار دلوقتي اللي بدأت تظهر في القرية ضد تزويج الفتيات مبكرًا أو تركهن للتعليم بعد الزواج، وأعتقد إني هستغل ده وهساعد بنتي إنها متتجبرش على حاجة".