من مسرح مدرسة قرية البياضية التابعة لمركز ملوي، بدأت سيلست خياط، مسؤول نشاط الموسيقى في المدرسة، تدريب عدد من طلابها على بعض الترانيم، كنشاط مدرسي، اكتشفت سيلست عبره أن بعض الطلاب يمتلكون مواهب ومهارات تستحق أن تستمر وتتطور.
ومنذ عام 1987 ظلت سيلست تلاحظ تطور الطلاب، ورأت أن بعض المواهب بحاجة إلى الخروج إلى النور، ولا تقتصر عن كونها مجرد نشاط مدرسي، ولم يستغرق الأمر كثيرًا، ففي 1990 كانت نقطة التحول، إذ أسست سيلست كورال الصعيد التابع لجمعية الصعيد، وأتاحت الفرصة لضم المهتمين بالموسيقى في ملوي وغيرها من مراكز المنيا.
ومن نشاط مدرسي يقتصر على عدد من الترانيم، تحول العمل في الكورال إلى "إحياء الأغنيات التراثية"، أو كما تقول دكتورة هيام توفيق، الدكتورة بكلية التربية النوعية قسم الموسيقى ومدربة الفريق، إن الأمر ليس مجرد الغناء أو الأداء، بل إحياء التراث، فأعضاء الفريق مثلًا حينما يتدربون على أحد أغاني سيد درويش، لا يقتصر الأمر على مجرد حفظ الأغنية، بل -كما تشرح هيام – يتعرفون على كاتبها وملحنها ومغنيها، لأنه من المهم أن يدرك أفراد الكورال السياق الذي ظهرت فيه الأغنية، حتى يستطيع أن يكون واعيًا ومُتشربًا لها بشكل أكبر.
بداية الانتشار
لم يستغرق الكورال وقت كبير قبل أن يشيع صيته ونشاطه في الصعيد، الذي بدأ يهتم أبناؤه بالانضمام إلى الكورال، وبدأ يتوسع في الخروج لتأدية الأغاني على المسارح خارج ملوي أيضًا.
ففي إحدى حفلاته بالقاهرة، غنى الفريق بدون موسيقى للمطربة اللبنانية فيروز، أغنيات من ديوان النبي لجبران خليل جبران، لقى الكورال حينها إعجابًا جميع الحضور، ثم بدأ في تقديم الأوبريتات الغنائية الخاصة به مثل أوبريت" تيجي نبني بيت" الذي كان أول عرض له عام 1993 في محفل خاص بجمعية الصعيد للتربية والتنمية، وذاع صيته وقتها، وبدأ يتلقى الكورال دعوات للمشاركة في الاحتفالات الرسمية، وأداء الأوبريت على العديد من المسارح على مستوى المحافظات، وهو ما شجعه على إنتاج أوبريت الثاني "حصان خشب"، وكان ذلك في عام 1994.
توضح توفيق أن الكورال خلق فرصة لأبناء الصعيد كي يشاركوا في مثل هذا النشاط الفني، كما أن العمل يتطور فيه باستمرار وفقًا لها، فمثلًا مؤخرًا بات أعضاء الفريق -الذين تبدأ أعمارهم من 10 سنوات – تعلم كيفية قراءة "النوتة الموسيقية"، تعلق قائلة: "هو جزء ليس سهلًا، بل صعب جدًا، يعطي ذلك الفريق احترافية أكثر، ويجعل أبناؤنا على دراية بالموسيقى. إعادة إحياء الموروث الثقافي هو هدفنا لأننا نرى أن هذا اللون بدأ في الاندثار".
وتقول هناء جميل، المسؤول الإداري للكورال، إنهم يقومون بعمل إعلانات في المدارس الخاصة بالجمعية وقصور الثقافة، وذكرت أنه في حالة ضم أعضاء جديدة للفريق، وتجميع المتقدمين من كل مراكز وقرى محافظة المنيا، ويتجمع الفريق يوم الجمعة من كل أسبوع، في أحد المدارس التابعة لجمعية الصعيد في قرية أبو قرقاص البلد التابعة لمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا.
جولات عالمية
في 2013 كانت الانطلاقة من الصعيد إلى العالمية، إذ شارك كورال جمعية الصعيد بـ20 عرض في ألمانيا، تقول هناء إن الدعوة من هيئة "مسيو"، حيث قدم الفريق عروضًا في مدن مختلفة بألمانيا.
تتذكر هناء كيف لاقى الكورال احتفاء من الحضور الذين كانوا يؤدون معهم أداء بعض الحركات المصاحبة لبعض الأغنيات. وتضيف: "في البداية كنا من الممكن أن يكون بعض الأهالي معترضين، ولكن عندما يرى الابن او البنت مقبلة على الكورال يرى تفوقها في الدراسة لأنهم يفعلون ما يحبون يشجعونهم أن يأتوا إلى الكورال".
يقول مينا يوسف من مركز ملوي محافظة المنيا، أحد أعضاء الفريق الذي يدرس في كليات التربية النوعية قسم الموسيقى جامعة المنيا الفرقة الرابعة، إنه يهوى الغناء منذ صغره، وانضم يوسف إلى فريق كورال جمعية الصعيد عندما التحق بالجامعة، واستفاد الشاب منذ انضمامه إلى الفريق مثل وقوفه على المسرح وطريقة الغناء، وفهم مقامات الموسيقى، ولم يقتصر فقط على الغناء، بل يعزف عود، ويعزف أورج أيضًا، وأضاف يوسف أن طموحه المستقبلية هي الاستمرار في الغناء والعزف.
تقول سارة يسري، والتي انضمت إلى الفريق منذ ثلاث أعوام، إن دعم الأهل كان مهمًا في تنمية موهبتها، وتضيف "أعتبر الكورال بالنسبة لي هو عائلة ثانية، والمسؤولين يحتملون جميع مشكلاتنا وداعمين لنا، ليس فقط على المستوى الفني".
استوقف سارة موقفًا أثناء غنائها في إحدى الحفلات في دار الأوبرا القديم لإحياء تراث الفنان سيد حجاب، وتقول "كنا خائفين من ردة فعل الجمهور لأن معظمه كانوا فنانين، لكن جاء رد الفعل مختلف تمامًا عما كنا نظنه، تفاعل الجمهور معنا وشجعونا".
تعلم سارة عبر الكورال روح التعاون؛ وتلفت النظر إلى أن على الرغم أن الأعضاء قادمين من قرى ومراكز مختلفة بمحافظة المنيا "ولكن دائمًا يجمعنا حب الفن، أيضًا، دائمًا روح التعاون تكون بداخلنا لإخراج عمل مشرف يجعل الحضور سعداء بما نقدمه، ونكون وجهة مشرفة للجمعية".
ميلاد أبو اليمين، خريج كليات التجارة من مركز ملوى قرية البياضية، وهي القرية التي نشأ فيها كورال جمعية الصعيد منذ 11 عامًا، وتواجد ميلاد أبو اليمين في كورال الجمعية، وكانت جولة الكورال في ألمانيا نقلة كبيرة بالنسبة له، إذ يقول "عندما انتقلت من القرية إلى خارج مصر، استفادت الكثير في حياتي الشخصية والفنية"، ويشرح أكثر "قبل انضمامي للفريق كنت شخصًا انطوائيًا، ليس لدي ثقة في موهبتي، ولكن الكورال ساعدني في تخطي هذه المخاوف".
ويتذكر أبو اليمين بداياته في الكورال "كانت لدي مخاوف في الانضمام إلى الفريق، ولكن أهلي شجعوني على الانضمام والاستمرار"، ويأمل في المستقبل أن يصل الكورال لكل الناس.