مُجبرة على النزوح من موطنها الأصلي؛ استطاعت هناء ناصر، سودانية، الخروج من العاصمة الخرطوم عبر معبر أرقين البري، في مايو 2023 برفقة أطفالها وخالتها.
كان قد مر وقتها شهر واحد، منذ منتصف ابريل، على بداية القتال المسلح بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الخرطوم.
عدم توقف القتال وارتفاع دمويته منذ اليوم الأول، دفع هناء وغيرها من السودانيين إلى البدء في النزوح بعيدًا عن أماكن النزاع، الذي تركز في البداية في العاصمة الخرطوم، ومدنها الخرطوم وأم درمان وبحري، وامتد فيما بعد ليصل إلى ولاية غرب كردفان وود مدني.
فرّت هناء إلى مصر بحثًا عن الأمان لأطفالها على أن يلحق بها أقاربها فيما بعد. لم تكن تتوقع أن يستمر القتال الذي يقترب من الدخول في شهره الــ 11، والعاشر لها بعيدًا عن موطنها وعائلتها، تقول: “حينما قررت أن أنزح عبر معبر أرقين توقعت أن يلحق بي أقاربي إلا أنهم ما زالوا هناك إلى الآن، انتقلوا من الخرطوم إلى أماكن آمنة في الجنوب، ينتظرون الحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر».
يعتصر قلب هناء هنا، فبينما اطمأنت على أطفالها بعيدًا عن الصراع الدموي الدائر في السودان، يطغى عليها القلق حول أوضاع أقاربها، فحتى وإن كانوا في منطقة آمنة الآن، لا تعلم إذا ما كان سيمتد الصراع إليها أم لا.
وتعلق لـ«عين الأسواني» قائلة: «الاشتباكات مستمرة وهناك تضارب في المعلومات المتعلقة بأماكن الصراع والمناطق الآمنة، ليس هناك استقرار أو أمان، شبكات الاتصالات غير مستقرة إلى جانب انقطاع الكهرباء وانتشار الأوبئة».
يزداد قلقها عن الوضع الصحي لوالدتها مريضة سكر وضغط الدم، التي تجد صعوبة في الحصول على العلاج، لأن قوات الدعم السريع تنهب -على حد وصفها - المواد الغذائية/ الطبية في المناطق: «نحاول أن نرسل أموالًا عن طريق البنوك التي ما زالت تعمل وتطبيقات الدفع السريع كي يتمكن أهلي من شراء احتياجاتهم، فلا أحد يستطيع التنقل بسبب التكلفة العالية التي باتت تصل إلى 150 ألف جنيه سوداني».
ووفقًا لآخر التقارير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية؛ بلغ عدد النازحين بسبب النزاع في السودان منذ منتصف أبريل داخل وخارج السودان إلى 8.1 ملايين شخص، يقيمون داخل السودان في 6709 موقعًا في جميع ولايات السودان الثماني عشر، خصوصًا في ولايات جنوب دارفور، ونهر النيل، وشرق دارفور، والنيل الأبيض، وشمال دافور، والولاية الشمالية، وسنار.
ويقول التقرير، الصادر 15 فبراير 2024، أنه قد فر 1.6 مليون شخص في السودان من العنف إلى البلدان المجاورة، غالبيتهم العظمى (57%) من العاصمة الخرطوم.
أميرة عمران، التي كانت تعمل صحفية في السودان قبل الحرب، تركت العاصمة خلال مايو عام 2023 أيضًا، هي وأطفالها وأشقائها، لكن لم يستطع زوجها اللحاق بهم بسبب تأشيرة الدخول.
تقول: «كل الخيارات غير مضمونة ومُكلفة كي نحصل على الأمان، هناك مجموعة من الأسر التي تنتظر الحصول على التأشيرة فكرت في العودة إلى الخرطوم، وقد حاول البعض استطلاع المكان قبل عودة الجميع فتركوا النساء خارج المدينة، وفور دخولهم للمنازل هاجمهم الدعم السريع وطردهم من المنازل».
توضح أن البعض يلجأ للنزوح إلى أماكن بعيدة عن سيطرة الدعم السريع لكن قد تواجه الخطر في أي وقت من القتل والاعتداءات على النساء، والبعض لا يستطيع الحصول على التأشيرة فيلجأ إلى مكاتب السفر التي تستغل الأزمة لتوفرها بـ350 ألف جنيه سوداني، والبعض يلجأ إلى الدخول عن طريق التهريب، تعلق عمران: «المعلومات متضاربة ولا أحد يعلم شيء».
ومنذ بداية الصراع، تشير عدة تقارير حقوقية ودولية إلى تصاعد مخاطر العنف والاعتداءات التي تواجه النساء في مناطق النزاع.
ووثق مكتب حقوق الإنسان للأمم المتحدة في تقريره الصادر بتاريخ 26 فبراير 2023، أنه بحلول 15 ديسمبر 2023، ما لا يقل عن 118 شخصاً وقعوا ضحايا للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب، استناداً إلى مقابلات مع أكثر من 300 ضحية وشاهد.
ونشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في أغسطس الماضي، قالت إنها وثقت 78 حالة اغتصاب نساء ارتكبتهم "قوات الدعم السريع" وميليشيات متحالفة معها في السودان، في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وهاربات إلى تشاد بين أواخر أبريل وأواخر يونيو 2023.
ويعتبر التقرير أن "المهاجمين استهدفوهن بسبب انتمائهن إلى "إثنية المساليت"، وفي بعض الحالات، لأنهن كن ناشطات معروفات”.
وفي نوفمبر؛ قال بيان صادر عن منظمة الأمم المتحدة بإسم المتحدّثة باسم مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان "ليز ثروسيل"، إن "المكتب المشترك لحقوق الإنسان في السودان تلقّى تقارير موثوقة عن وقوع أكثر من 50 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالأعمال العدائية، أثّرت على ما لا يقل عن 105 ضحايا، من بينهم 86 امرأة ورجل واحد و18 طفلًا. وشملت هذه الحوادث 23 حادثة اغتصاب، و26 حادثة اغتصاب جماعي وثلاث حوادث محاولة اغتصاب”.
ومن التقارير التي وثقها المكتب وكشفوه في بيانهم، تتعرض النساء للاختطاف/ الاحتجاز في ظروف وصفها البيان بأنها "لاإنسانية ومهينة شبيهة بالاسترقاق"، وأنهم "يُزَوَّجن قسرًا ويُحتَجَزن مقابل الحصول على فدية"، وأن هناك نساء/ فتيات شوهدن "مقيّدات بسلاسل يُنقَلن في شاحنات بيك آب وسيارات”.
تقول شيرين محمد، إحدى المتطوعات في مبادرة “الأشقاء السودانيين : «في الماضي كنا نستقبل بين 6 لـ 7 حافلات عبر الحدود، أما الآن فيمكن أن تدخل حافلة أو إثنين في الأسبوع، لصعوبة الحصول على تأشيرة الدخول».
انطلقت المبادرة في ابريل الماضي لتضم المتطوعين من السودانيين في أسوان لتقديم الدعم والمشورة للنازحين من السودان.
تضيف: «هربًا من الاشتباكات يلجأ البعض للدخول عبر الحدود عن طريق التهريب، ونتلقى باستمرار قائمة بأسماء نازحين تم القبض عليهم أثناء العبور، آخرهم القبض على 20 طفلًا مع أمهاتهم، فمن خلال المبادرة نحاول أن نوفر للنازحين مساعدات غذائية ودوائية وأغطية لا سيما الذين تم القبض عليهم».
وعلى أرض الواقع، لا يوجد أمام السودانيين بدائل آمنة سوى النزوح الذين يواجهوا المخاطر على مختلف المستويات، فوفقًا لأحدث تنبيه للأمن الغذائي في السودان صادر عن شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة. من المتوقع الآن أن تكون بالسودان ثالث أعلى نسبة من السكان المحتاجين بين البلدان التي ترصدها شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعة في عام 2024.
ووفقًا لتقرير نظام رصد توفر الموارد والخدمات الصحية الصادر عن منظمة الصحة العالمية لشهر يناير 2024، بات هناك أزمة في بخصوص استمرار المرافق الصحية في العمل وتقديم الخدمات.
وفي آخر تحديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وصلت الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء السودان إلى مستويات قياسية حيث يحتاج 24.8 مليون شخص، أو شخص من بين كل اثنين، إلى الحصول على المساعدات الإنسانية في عام 2024. وهذا يزيد بمقدار 9 ملايين عما كان عليه الوضع في عام 2023. ويفتقر الملايين إلى السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية والتغذية.
بعد شهر من اندلاع الحرب، قرر حسام أبو بكر، الخروج من الخرطوم مع أسرته إلى أسوان، واستطاع الحصول على تأشيرة من مصلحة الجوازات في حلف مجانًا دون اللجوء إلى سماسرة السفر، الذين وصل سعر التأشيرة لديهم من 2000 إلى 3000 دولار.
ما زال يعيش حسام حالة من القلق لبقية أفراد عائلته المتواجدين في السودان وسط الحرب: «خالي وخالتي وأسرهم لم يستطيعوا الخروج من السودان، لصعوبة الحصول على تأشيرة الدخول التي تستغرق وقتًا طويلًا، فقرروا النزوح إلى مناطق أكثر أمانًا من الخرطوم آخرها في عتبرة».
يضيف: «لكن يهددهم توسع انتشار قوات الدعم السريع في الولايات المختلفة التي كانت تمثل في بداية الحرب مناطق آمنة عن الخرطوم، لكنهم الآن لا يستطيعون الخروج مثلما فعل هو».