فرحة مؤجلة.. عندما يصبح شراء ألعاب العيد عبئًا على الأسر

تصوير: أمنية حسن - لعب العيد في شارع الشواربي

كتب/ت أمنية حسن
2025-04-01 13:36:16

 

تقف مها محمود، ربة منزل، أمام محل ألعاب أطفال في سوق الشواربي بمحافظة أسوان، تتأمل أعين صغارها المتلهفة خلف زجاج الواجهة، حيث تتراص الألعاب بألوانها الزاهية. تحاول جاهدة أن تختار لهم ما يدخل السرور إلى قلوبهم قبل حلول العيد، لكن الأسعار المرتفعة تقف حائلًا بينها وبين تحقيق أمنيتهم.

هذا العام، ومع الارتفاع الكبير في أسعار الألعاب، اضطرت مها إلى تأجيل الشراء حتى يحصل أطفالها على "العيدية" من الأقارب، حتى تستقطع جزءً منها لشراء الألعاب في ثاني أيام العيد. تقول بحسرة: "العيد يعني لعبة للأطفال، لكن الأسعار أصبحت خيالية، هناك ألعاب تجاوزت الألف جنيه".

عبء على الأسر

تصطدم أحلام مها وأطفالها بواقع الأسعار المرتفعة، مما جعل شراءها يمثل تحديًا كبيرًا للأسر، وسط نفقات أخرى تأتي مع العيد كالملابس والطعام. تقلب مها اللعبة بين يديها، تنظر إلى بطاقة السعر، ثم تعيدها مكانها بحسرة، فقد باتت الفرحة التي كانت يومًا ما بسيطة ومعتادة، عبئًا جديدًا يُضاف إلى قائمة النفقات.

"كنت أشتري لكل واحد منهم لعبتين أو ثلاثًا في العيد، أما الآن فأبحث عن لعبة واحدة بسعر معقول، وحتى هذا أصبح صعبًا"، تقول مها، بينما تحاول التفاوض مع البائع الذي يهز رأسه معتذرًا عن عدم القدرة على تخفيض السعر.

محاولة مها توفير لعبة لأطفالها تتماشى مع المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها مصر العام 1994، وتنص على حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة له، إضافة إلى المشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنون. 

لكن الواقع الاقتصادي الذي فرض ارتفاعًا في الأسعار يهدد هذا الحق، إذ تحولت الألعاب من وسيلة للبهجة إلى عبء مالي على الأسر. من بينهم فاطمة محمد، ربة منزل من أسوان، التي تؤكد أن اللعب ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي جزء أساسي من فرحة العيد التي ينتظرها الأطفال بفارغ الصبر، حيث تُعتبر من أبرز ملامح الاحتفال: "عدم الشراء بيأثر على سعادة الأطفال لأن اللعب بتحافظ على نفسيتهم وتفرحهم".

تحرص فاطمة على شراء لعبة العيد بأسعار لا تتجاوز 150 جنيهًا، وتشتري أكثر من لعبة صغيرة ورخيصة حتى تحصل على مجموعة متنوعة: "لا أشتري الألعاب طوال العام والعيد هو الفرصة الوحيدة لهم للشراء، لكن أسعار الألعاب ارتفعت بشكل كبير لأنه موسم".

بائعون: "نلاحظ تغيرات في الأسعار"

يؤكد ذلك ربيع عبدالحكيم، تاجر ألعاب بالجملة وبائع في شارع الشواربي، وصاحب خبرة طويلة في مجال بيع ألعاب الأطفال، أن العيد يُعد موسمًا مميزًا لتجار الألعاب.

يقول عبدالحكيم لـ"عين الأسواني": "يبدأ ضخ كميات متنوعة من الألعاب في الأسواق بكثافة مع بداية شهر رمضان، حيث تُعرض جميع الأنواع لتلبية احتياجات السوق، لكن سوق الألعاب شهد تغيرات ملحوظة في السنوات الأخيرة، حيث أصبح التنوع في الخامات والتصاميم أكبر".

يضيف: "تتفاوت الأسعار وفقًا للجودة والنوع، إذ تبدأ بعض الألعاب من 25 جنيهًا، بينما تصل أخرى إلى 1000 جنيه أو أكثر، لكن ألعاب المسدسات تظل من الأكثر طلبًا خلال موسم العيد، إلى جانب العرائس التي تفضلها الفتيات".

تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن واردات مصر من ألعاب الأطفال سجلت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر 2024، حيث بلغت 5025 ألف دولار، مقارنة بـ2858 ألف دولار خلال عام 2023، بزيادة قدرها 56.8%.

بينما يرى عبدالحكيم أن هناك تحسنًا ملحوظًا في صناعة الألعاب المصرية مقارنة بالماضي، حيث أصبح المنتج المحلي أكثر تطورًا من حيث الشكل النهائي وجودة التصنيع، ومع ذلك، لا تزال بعض الفئات، مثل الألعاب التي تعمل بالبطاريات، دون المستوى المطلوب، مما يمنح الألعاب المستوردة ميزة تنافسية.

يقول: "انخفضت أسعار الألعاب المستوردة بنسبة تصل إلى 30%، لكنها رغم ذلك تظل مرتفعة الثمن على الأسر لا سيما أن الحكومة تعتبرها من السلع تدخل في بند الرفاهيات".

الألعاب رفاهيات

منذ عام 2018، صنّفت الحكومة ألعاب الأطفال ضمن السلع الاستفزازية، عندما أعلنت أن سعر الدولار الجمركي للسلع غير الضرورية والترفيهية، ومنها ألعاب الأطفال، سيخضع لسعر الصرف الرسمي المعلن من البنك المركزي، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بنسبة 15%.

يتناقض ذلك مع دراسة حديثة أجراها علماء الأعصاب في جامعة كارديف البريطانية عام 2023، والتي أظهرت أن اللعب بالدمى ينشّط مناطق معينة في الدماغ تساعد الأطفال على تطوير مهارات التعاطف ومعالجة المعلومات الاجتماعية، حتى عند اللعب بمفردهم. 

وعلى العكس، لاحظ الباحثون انخفاضًا كبيرًا في نشاط هذه المناطق عندما استخدم الأطفال الأجهزة اللوحية بدلًا من الألعاب التقليدية.

تؤيد ذلك ماريا جورج، بائعة في محل ألعاب بنفس الشارع، حيث ترى أن الألعاب ليست مجرد رفاهية، بل تُساهم بشكل فعّال في تقليل استخدام الأطفال للهواتف والشاشات والألعاب الإلكترونية، ولها دور في تنمية مهارات الأطفال وتعزيز تفاعلهم الاجتماعي، مما يجعلها أداة ضرورية لنموهم وتطورهم.

مناورات الشراء

تظهر مناورات الأسر في شراء ألعاب العيد بوضوح من خلال التفاوت في اختيار الألعاب بين الفئات المتوسطة والمرتفعة السعر، وفق ماريا التي تؤكد أن اختيار اللعبة يعتمد بشكل أساسي على مستوى دخل الأبوين، حيث تميل بعض الأسر إلى شراء الألعاب مرتفعة السعر، بينما يفضل آخرون الألعاب ذات الأسعار المتوسطة. 

ورغم هذا التباين في القدرة الشرائية، تشير ماريا إلى أن أسعار الألعاب مستقرة بشكل عام في السوق، أما بالنسبة للطلب، يرى عبدالحكيم أن الإقبال على شراء الألعاب خلال العيد متوسط، مشيرًا إلى أن الألعاب الأقل سعرًا هي الأكثر رواجًا حاليًا، نظرًا للضغوط الاقتصادية التي يواجهها المواطنون. 

في المقابل، تبقى الألعاب عالية الجودة ومرتفعة السعر أكثر ارتباطًا بمناسبات خاصة، مثل أعياد الميلاد، حيث يكون الاستعداد للإنفاق عليها أكبر.

لذا تحاول ماريا توفير أكبر قدر متنوع من الألعاب من حيث الأسعار، بين مرتفعة الثمن مثل العربيات والبالونات الضخمة وبين الألعاب الورقية منخفضة التكلفة: "يبدأ موسم رواج لعب العيد مع أواخر شهر رمضان ويستمر طوال فترة الاحتفال بالعيد".

ربما أطفال مها وفاطمة لن يستطيعوا شراء الألعاب التي يحلمون بها وأصبحت تمثل تحديًا بالنسبة لأسرهم، لذا يقتطعون من العيدية جزءً للشراء أو الاكتفاء باللعب الجماعي في الشوارع، في محاولة لتعويض جزء من بهجة العيد كانت توفرها الألعاب الجديدة.

 

تصوير: أمنية حسن - لعب العيد في شارع الشواربي