عادة مزعجة

تصميم لباسم حنيجل

كتب/ت علياء سيد
2024-09-08 12:03:00

منذ الصغر وأنا أتعجب من هذه المواقف بعد حفلات الزفاف الخاصة بالعائلة، حين يقوم الأصدقاء والأقارب بزيارة الزوجين في منزلهم الجديد، لتبدأ رحلة العادة المزعجة..

تستوجب أدنى حدود اللياقة أن يلتزم الضيف بمكانه بمنزل مستضيفه، ولكن في زيارة العروسين يُفتش ضيوفهم أركان البيت، ليشاهدوا كل أغراض الزوجة الجديدة، ولا يهدأ بالهم إلا بعد انتهاء هذا الجرد المفاجئ.

وتبدأ جلسة "التقييم"، وفيها يقدم كل ضيف رأيه في أغراض الزوجة، هل هي جميلة أم أنها لم تُلق إعجابهم؟، هل هي كثيرة أو قليلة؟، هل تبدو باهظة الثمن أم رخيصة؟، فيما يقتضي "التفتيش" واختبار "ذوق" الزوجة، ألا تمنع ضيوفها من تفتيش أغراضها، بل عليها أن تصمت ولا تعلق، مهما كانت منزعجة من اقتحام خصوصياتها.

تعرضت صديقة لي حين أصبحت زوجة جديدة، لجلسة "الجرد والتقييم"، حيث زارها أقاربها من جهة والدها، ولم ينتظروا مرور دقائق حتى نهضوا من أماكنهم، وقالوا لها "ندخل ونلقي نظرة على منزلك الجديد".

في هذه اللحظة غضبت صديقتي كثيرًا، لم تتمكن من الرفض وسمحت لهم، لكن بداخله كانت منزعجة جدًا ولم ترغب في أن يفتش أحد أغراضها، وبالفعل تجولوا بكل الغرف ولم يتركوا شيء إلا وشاهدوه، وصديقتي كانت مُجبرة أن تقبل ما عُرف بكونه "عادة".

أذكر أني ووالدتي، توجهنا لزيارة جارة جديدة لنا، والحقيقة كان استقبالها وحديثها لنا في غاية الذوق والاحترام، وعندما انتهينا من جلستنا ونهضنا لنغادر، أصرت أن نشاهد غرف منزلها الجديد، لكننا رفضنا فعلًا، وتحججنا بأننا تأخرنا ونريد المغادرة.

لكن في الواقع فإن تلك العادة تفشّت بين أفراد المجتمع، وتقتضي تلك القاعدة أن تدعو أي عروس جديد ضيوفها لتفتيش وتقييم منزلها، وإلا وُصفت بـ"قلة الذوق".

القاعدة ليست جديدة؛ فالعادة قديمة، منذ عصور أجداد أجدادنا، إذ تشكلت ثقافة اجتماعية خاطئة وعادات وتقاليد غير طيبة، بدأت بأن يستعرض أهل العروس ملابسها الجديدة قبل الزفاف، حيث يضعونها على طاولة أو أطباق كبيرة في بيت والدها ليتفقدها الأقارب والجيران، وتتباهى أسرتها بمشترياتهم على أنغام الموسيقى والزغاريد.

العادة لم تضغط على مشاعر المقبلين على الزواج فحسب، بل وتضغط عليهم ماليًا أيضًا، إذ يضطروا لشراء كثير من الأدوات الكهربائية والمنزلية والمفروشات، قد لا يستخدموها طوال حياتهم، خوفًا من نبذ من حولهم، أو ما يُعرف بـ"المعايرة".

لا أعلم ما الطيب في تلك العادة، كيف يتلاشى معنى الخصوصية؟، لماذا يتباهى البعض أمام البعض بما اشترى في زواجه؟، ولم تسمح العروس الجديد للجميع بأن يروا أغراضها؟، من يستفيد بهذه العادة السيئة؟!

خاصة أن تلك العادة تخلق حب التنافس بين الناس، والشعور بالغيرة، مما يولّد لديهم رغبة في نفس الأشياء التي رأوها، حتى وإن اقترضوا أو ضاق بهم الحال.