"أرتدي بنطال طويل وبلوزات بأكمام طويلة حتى لا يظهر لون بشرتي"، هذا ما عبرت عنه طفلة بالصف السادس الإبتدائي، بعد أن سألها أحد الأشخاص دون مراعاة لما يقوله "لماذا ترتدين الشورتات القصيرة، أنتِ لستِ بيضاء البشرة كأخوتك!".
لم يُدرك موجه السؤال مدى الخطر الذي قام به من كلمة واحدة قالها، إلا أن هذه الكلمة علِقت في ذهنها لفترة طويلة وأثّرت على نفسيتها، فأصبحت تشعر بأنها سيئة الشكل والمظهر، لمجرد عدم تطابق لون بشرتها مع الصفات والمقاييس التي وضعها هذا الشخص للجمال، مُتجنبًا بقية الأشياء التي تُميّزها في شكلها، مما دفعها لأن تصف نفسها بأنها "بشعة"، وجعلها ترغب في المستحيل؛ أن تُشبِه شقيقاتها، وبدأت تلقائيًا بعمل مقارنات بينها وبينهن.
يعكس ذلك التصرف أزمة لدى الأطفال الذين يعانون من التفرقة العنصرية بسبب اللون، على الجانب الآخر فتاة عمرها لم يتجاوز الخمس سنوات تتميز بشعرها المجعد، فقد كانت تقف أمام المرآة كل يوم وتنظر له وهي تشعر بالحزن، فبالرغم من صغر سنها إلا أنها ترامى إلى سمعها كل ما يُقال لوالدتها أثناء جلوسها مع الناس، فدائمًا يبدأون بالتعليق بجملة "ازاي بناتك طالعين شعرهم أكرت وانتي شعرك ناعم، ليه شعر بناتك كده استخدمي لهم زيوت أو أي حاجة عشان شعرهم يبقى حلو بدل ما هو منكوش"، تلك الكلمات ربما تمرّ عابرة على قائلها إلا أنها تؤثر في نفسية الطفلة، مما يُكوّن لديها عقدة نفسية من شعرها.
قصص عديدة تمرّ علينا يوميًا حول التنمر بالأطفال، وأحيانًا قد يكون التنمر مُوجهًا من طفل إلى طفل مثله بطريقة تلقائية، فقد كنت أتحدث ذات يوم مع طفلة، جمعتني الصدفة بها، وكان عمرها ٥ سنوات، سألتها بتلقائية عن أكثر أخت مُقربة لديها بين أخوتها، فذكرت لي اسم إحدى أخوتها، وأبدت مدى حبها لها، بينما ذكرت لي اسم أخت أخرى لها وأبدت عدم حبها، وعندما سألتها عن السبب، ذكرت لي أن لون بشرتها سمراء عكس أختها التى تحبها.
هذه الطفلة أوضحت لي سبب مهم من أسباب وجود التنمر بين الأطفال، وهو ما يستقيه من النشأة الغير سليمة، إذ يزرع أولياء الأمور في نفوس الأطفال معتقدات محددة عن الجمال أو الذكاء أو حتى الطبقات المجتمعية، مما يؤثر على سلوكهم بين زملائهم فى المدرسة، فيصبحون جزءًا من ظاهرة التنمر.
وفقًا لإحصائيات صادرة عن منظمة اليونسكو في عام 2019، يتعرض ربع مليار طفل للتنمر سنويًا حول العالم، أما عن مصر فأظهرت بيانات تابعة لمنظمة اليونيسف لعام 2019، أن نسبة 70% من أطفال مصر يتعرضون للتنمر من زملائهم في المدارس.
قد يؤثر التنمر على فقدان الثقة بالنفس وفقدان التركيز والتراجع الدراسي، وقد يؤدي لحدوث مشاكل فى الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق وحدوث حالات انتحار والخوف من مواجهة المجتمع.