كل من جرب العمل التطوعي، يعلم الشعور الذي ينتابه بمجرد أن يدرك أن ما يقدمه يساعد الناس، وأن ما يقوم به عون لمن يحتاج، ويذوق حلاوة، لا تستطيع أن تضبط وصفها الكلمات، لأنه شعور داخلي يؤثر فيه حتى ولو كان على "ابتسامة".
كان لي نصيب من هذا الشعور الأشهر الماضية حينما بدأت أتطوع في تقديم المساعدات للسودانيين الفارّين إلى مصر هربًا من الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، ووفقًا للمهام التي تكلفت بها مع الكيان الشبابي الذي تطوعت معه، كنت أتنقل ما بين المعابر الحدودية؛ قسطل وأرقين، وموقف كركر الدولي.
كنت أسمع من زملائي أحيانًا من قبل أنهم أحيانًا يجدوا أنفسهم لا يشعروا بالتعب إلا بعد انتهاء العمل، يغلب الحماس والحافز لتقديم المساعدة احساس الإرهاق، وقد لمست هذا في أول مهمة تطوعية قمت بها خارج مدينة أسوان، حينما ذهبنا إلي "معبر أرقين "، عبر رحلة استغرقت ٥ ساعات للوصول للمعبر، ومن ثم "موقف كركر الدولي"، وكنت محظوظا حتى يصطحبوني معهم، ورغم مشقة الطريق وارتفاع درجات الحرارة وعدم وجود أماكن مهيأة هناك للاستراحة وضغط الاحتياجات، كان الإرهاق الجسدي يقل أمام نشوة لم أستطع تفسير سببها كلما كنت أشعر أني قدمت لأحدهم مساعدة وكانت عونًا له بالفعل.
وتتعدد الأعمال التطوعية هنا، ربما زادت مهامها في الفترة الأخيرة بسبب انعكاس الأحداث في السودان على أسوان، لموقعها الجغرافي كأول محطات استقبال الأسر والأفراد الفارّين إلى مصر، لكن على الجانب الآخر أيضًا هناك عدة جمعيات وكيانات شبابية تعمل داخل المحافظة، سواء على مستوى توفير المواد الغذائية أو القوافل الطبية أو المساعدات البنيوية.
ما ألاحظه في كل الأعمال التي أشارك فيها هو اقبال الشباب، وحماسهم لاتمام المهام رغم بعض التحديات التي نواجهها خصوصًا ارتفاع درجة الحرارة في أسوان. ترى الالتزام بين الجميع حتى وإن كان الأمر يتطلب قطع مسافات طويلة أو بدء العمل في ساعات الصباح المبكرة.
جعلني العمل التطوعي أشعر بذاتي، وكان سبب في أن أحصد أيضًا أحد القيم لوقتي ووجودي، وأشعر بالامتنان الآن لكونه لم يجعلني أقضي أجازتي كلها جالسًا على أريكة المنزل أو غارقًا في وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن كونه تجربة وسعت وعيي بمن حولي، ورؤيتي لمجتمعي، وتفتح للمتطوع التعرف على أفراد جدد، سواء من المتطوعين أو من نتطوع معهم، فلم يعد حيز رؤيتي مجرد أسوار جامعتي.