في رابع أيام عيد الفطر المبارك، توجه حسن محمد إلى معبر أرقين ضمن مجموعة من المتطوعين للهلال الأحمر لتقديم المساعدة للفارّين من المناطق المختلفة بالسودان والقادمين إلى مصر عبر معبر أرقين.
كان قد مر أسبوع تقريبًا على اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان، وبدأت الأعداد تتزايد وتتكدس في المعبر الحدودي، الذي يستغرق الوصول إليه من أسوان ثلاث ساعات على الأقل.
منذ ذاك الوقت، لم ينقطع حسن، ذو الـ 28 عامًا، وغيره من زملاؤه من المتطوعين في الهلال الأحمر أو غيره من المبادرات عن التردد اليومي على المعبر، وتقديم الخدمات لمدة قد تصل إلى 12 ساعة ما بين السابعة مساءً إلى السابعة صباحًا.
يتنقل حسن بشكل دوري بين معبريّ "قسطل وأرقين"؛ يقدم وجبات الطعام وخدمات التنقل من المعابر إلى أسوان، وحجز تذاكر القطار للمدن الأخرى لغير القادرين، بالإضافة إلى إتاحة إمكانية إجراء المكالمات المحلية و الدولية، يعلق قائلًا: "يتفاجأ القادمون بالخدمات المقدمة في المعابر، ويغمرهم الفرح الشديد لدى محاولاتنا الاتصال بأقاربهم في السودان، أو في المدن الأخرى في مصر والدول الأخرى، لإخبارهم بوصولهم سالمين".
انضم حسن للتطوع في "الهلال الأحمر" بعد تخرجه من كلية الحقوق جامعة أسوان، عام 2020، بعدما عايش انهيار البيت الذي يقطن فيه أحد المقربين منه وما شهده من تفاصيل صعبة أثناء محاولته إنقاذ الأسرة والسكان وآثاث المنزل، يقول: “رأيت كيف لمثل هذه المواقف أن يحتاج فيها الناس للتعاون ومساندة المتضررين.. لذا فكرت فيمن يحتاجون للمساعدة وتخفيف حدة الأزمة.. وحينها قررت التطوع".
ويضيف: “كنت أعرف صديق متطوع في الهلال الأحمر، اقترح عليّ الانضمام، وحينها قمت بالمشاركة مؤقتًا لعدة أيام في معسكر إيواء، شاهدت مواقف التعاون والمشاركة، وشعرت أنها تشبهني، فانضممت بشكل دائم، وشاركت في حملات صكوك الماشية، والإغاثة والطوارئ، والقوافل الطبية، وفي مخيمات الإيواء في إقامة مساكن إيواء لمتضرري السيول في نوفمبر 2021 في أسوان بمنطقة الكوبانية وغرب أسوان”.
منذ تطوع حسن لمساعدة الوافدين السودانيين، يتغيب لمدة قد تصل إلى 15 يومًا عن المنزل، متنقلًا بين المعابر ومنزله لبضعة أيام، ويقيم في فترة غيابه في مساكن مخصصة للمتطوعين في مدينة "أبو سمبل" والتي تبعد عن معبر "أرقين" بحوالي 150 كيلو، تُقدر بساعتين يوميًا.
وفقًا لحسن، فالخدمات التي يقدّمها المتطوعون في المعابر "ليست عشوائية"، بل تسير وفق خطة لتلبية احتياجاتهم، يقول: "حين سمعنا بالأزمة انتقلنا إلى معبر قسطل، وحصلنا على نصائح تتعلق بالإعداد والتجهيز للمشاركة في الإجلاء، وطرق ضبط النفس، وتهدئة النازحين لكي يحسوا بالأمان، وألا يشعر أحدًا منهم من خلالنا أننا نقدم له خدمة أو إحسان".
"جمود الأعصاب أمام ما يحدث مهم في العمل"، يوضح حسن أن المعابر لا تخلو من المواقف الإنسانية، فيجب أن يتعامل المُتطوع بثبات، مضيفًا: "يساعدنا على ذلك اعتيادنا التعرض لمثل هذه المواقف والتدريبات المستمرة التي نحصل عليها".
يتذكر حسن أحد المواقف التي يصفها ب"الصعبة" التي شهدها، حينما توفيت سيدة سودانية عقب وصولها إلى معبر أرقين بينما كان ابنها لا يزال عند المعبر، وكانت الأسرة في حاجة للاتصال به لطلب الإذن بدفن والدته، وعند إخباره بخبر الوفاة، إنهار وقال جملة أثرت بي "والدتي توفت ماذا احتاج من الدنيا، تركت بيتي ووطني من أجل سلامة العائلة وتوفت أمي بعيدًا عني".
يشير حسن أن الابن قرر بعد هذا الموقف أن يعود إلى السودان ولا يفرّ إلى مصر.
سببّ التواجد المستمر لحسن بعيدًا عن أسرته قلقًا دائمًا لهم بخاصة والدته، التي اعتقدت أنه قد يعبر الحدود المصرية إلى السودان ويتعرض لخطر نيران الحرب، يقول: “أحاول تهدئتها وأنني بعيد عن الأحداث هناك".
ويُذكر أنه من 21 أبريل إلى 23 مايو الماضي نفذت جمعية الهلال الأحمر عدد من الخدمات الإغاثية والطوارئ على الحدود المصرية السودانية، وذلك في معبر "قسطل وأرقين" البري، فقدمت 384064 وجبات جافة وحقائب نظافة، 642 عملية تسهيل إجراءات سفر، 388 مكالمة محلية ودولية، 4785 حالة دعم نفسي، 9 حالات تقصي، 11321 خدمة طبية.