عيد_أوردِيحِي | تحتل اللحوم الصدارة في قائمة طعام موائد الأسر في عيد الأضحى المبارك، صحن كبير مملوء بالأرز وبضعة قطع من الخُبز المحمص، وبينهم مكعبات لحم الضأن أو البقري، ويفوح من الصحن رائحة شوربة الثوم، لكن هذا العام ستخلو الموائد من الوجبة الرئيسية "الفتة".. في أكثر من تقرير من أسوان إلى بورسعيد في مصر، ومدينة بني خلاد في تونس، تابعنا عبر هذا الملف تأثير ارتفاع أسعار اللحوم البلدي على المستهلكين وعلى الجزارين الذين انخفضت مبيعاتهم في "عيد اللحمة".
حينما سجلت أسعار اللحوم العام الماضي 160 جنيه للكيلو وبحد أقصى 200 جنيه، ارتفعت الشكاوى بين كثير من الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط في "دار السلام" ضد ارتفاع الأسعار لدرجة فاقت قدراتهم الشرائية على سد احتياجات عائلاتهم، خصوصًا وأن عدوى الزيادة تقريبًا تنتقل بين كافة السلع والخدمات التي لا غنى عنها بالنسبة لهم.
وفي ظل ارتفاع كل شيء تقريبًا إلى الضعف وأكثر في بعض الأحيان في أقل من عام نتيجة انخفاض قيمة الجنيه المصري، يحل عيد الأضحى المبارك هذا العام على الأسر هنا وسعر اللحم يُسجل 300 و350 جنيه للكيلو الواحد، بزيادة تقترب من الضعف، وهو الأمر ذاته بالنسبة لكباب الحلة والكبدة وباقي المكونات التي تعتاد الأسر شرائها خصوصًا في هذا العيد احتفالًا به.
"صوت السلام"، رصدت في عدد من جزارات بيع اللحوم وبعض محال الدواجن، بورصة الأسعار قبل أيام من بداية عيد الأضحى المبارك.
يوضح أشرف الحموي، جزار يبيع اللحوم البقري، أن سبب ارتفاع أسعار اللحوم هو زيادة سعر علف الحيوانات نتيجة لصعوبات في استيراده، ما جعل سعر طن العلف يرتفع من 7 آلاف جنيه العام الماضي إلى 22 ألف جنيه هذا العام، بنسبة ارتفاع 200 % تقريبًا.
أمام جزارته يقف الحموي وهو يتذكر إقبال زبائنه المعتاد على شراء كميات معينة من اللحم للعزائم، يقول: “السوق يعاني من ركود.. زبائني اشتروا كميات أقل.. كما انخفضت معدلات شراء الأضاحي".
على هاتفه يتصفح الحموي مواقع التواصل الاجتماعي، تقع على عينه قصة مبادرة بيع اللحم بالقطعة في محل للجزارة في سوهاج، يعلق بدهشة “أقل أسرة في دار السلام عدد أفرادها يصل إلى 5 أشخاص، قطعة ولا اتنين يعملوا بيها ايه، كل محلات الجزارة واخدين بالهم إن الناس مقللة الكميات بالفعل بس مش لدرجة يشتروا بالقطعة".
ولا يرى الحموي حلًا لمواجهة الارتفاع في أسعار اللحوم سوى اهتمام الدولة بتوطين زراعة الأعلاف في مصر، للتوقف عن الاستيراد من الدول الأخرى، معتبرًا مسألة العلف أمن غذائي مثل القمح.
وفي جولة لـ"صوت السلام" بين محال الجزارة في الحي، نجد أن سعر لحم الضأن وصل إلى 350 جنيهًا للمذبوح، و190 جنيهًا للخروف في المزارع للكيلو الواحد، وأسعار اللحم البقري 340 جنيهًا للكيلو الواحد المذبوح.
ويتراوح سعر كيلو كباب الحلة 240-350 جنيهًا، وتساوت أسعار الكبدة الكندوز والإستيك والبوفتيك والكبدة الضأن ما بين 240 و280 جنيهًا للكيلو الواحد، ويتراوح سعر الماعز ما بين 3 آلاف و8 آلاف جنيه للجديّ البلدي، أما النعجة فبلغ سعرها 4 آلاف جنيه.
مثل الحموي، يؤكد أحمد فتحي، جزار، أن السوق يعاني من الركود بسبب الغلاء المُبالغ فيه، ويقول إن بعض المواطنين سوف يلجئون إلى شراء الفراخ واللحوم المجمدة، بسبب ارتفاع سعر اللحم البلدي.
وقدّرت منافذ البيع في دار السلام، أسعار اللحوم المجمدة بـ 200 جنيه للكيلو، والمفروم 180 جنيه للكيلو، لكن على الرغم من ذلك فقد عانى سوق هذا النوع من اللحوم أيضًا من الركود وهو طفيف ولا يساوي ركود سوق اللحوم البلدي، وفق ما أخبرنا به يوسف إدريس، بائع لحوم مجمدة، والذي أوضح أن غالبية المواطنين اتجهوا لشراء اللحوم المجمدة بدلًا من البلدي.
سناء حسن، 40 عامًا، كانت من بين الغالبية التي لجأت إلى اللحم المجمد، قالت إنها اشترت كل احتياجها من اللحم المجمد لارتفاع ثمن البلدي الذي اكتفت بشراء ربع كيلو فقط منه ستخصصه لطعام أطفالها، لأن المجمد غير آمن لهم.
وعلى الرغم من إطلاق المصريين على عيد الأضحى "عيد اللحمة" قاصدين بذلك "اللحم البلدي" من لحوم الأضاحي، فإن البديل الثاني بعد اللحم المجمد، كانت الدواجن بوصفها الخيار الأفضل والأقل سعرًا للأسر.
واشترت أسماء محمد، 32 عامًا، الفراخ بدلًامن اللحوم، لتتوقف للمرة الأولى عن عادة شراء اللحم كل عيد أضحى لإقامة العزائم ووجبات الفتة لأقاربها، ولكي لا يشعر أطفالها باختلاف عن كل العيد قررت أسماء طهي الفتة بشوربة الفراخ.
سيد محمد، 45 عامًا، اشترى 2 كيلو فقط من اللحم البلدي، واستبدل الباقي بالدواجن، والتي رصد ارتفاعًا في سعرها في بعض المحلات التي استغل أصحابها لجوء المواطن إلى البديل الأقل سعرًا، يقول: “من أسبوع اشتريت كيلو الفراخ بـ 65 جنيهًا ثم وصل السعر الآن إلى 77 جنيهًا".
حسني السيد، صاحب محل دواجن، يوضح حقيقة ارتفاع سعر الفراخ البيضاء، ويقول إنها بالأساس تأتي من المزرعة بسعر مرتفع، وسعرها متغير في سوق غير مستقر يعاني الركود، مضيفًا: “ليست محلات الجزارة فقط هي التي تعاني غياب الزبائن نحن أيضًا، فسعر شراء فرخة 2.5 كيلو يصل إلى ثمن كيلو لحم جملي وهو 200 جنيه".
واللحم الجملي هو بديل ثالث للمواطن بعد اللحم المجمد والدواجن، ويتميز بانخفاض سعره أيضًا.
محمد جمال، 50 عامًا، يرى أن اللحم الجملي بديل جيد عن الدواجن فسعره أقل ويناسب طقوس عيد الأضحى، فهو لا يستطيع تقديم ما لا يناسب العيد أمام ضيوفه، ولذا قرر التخلي عن شراء اللحم البقري لارتفاع ثمنه مفضًلا الجملي.
ويصل سعر كيلو اللحم الجملي 200 جنيه بفارق النصف تقريبًا عن الكيلو من اللحم البلدي، وسوق هذا اللحم لم يتأثر كثيرًا، على حد قول مصطفى سيد، بائع اللحم الجملي، الذي أوضح أن حركة البيع والشراء جيدة ولم تنخفض منذ شهر تقريبًا.
عانى مصطفى مع موجة الغلاء الأولى من ركود صعب لدرجة أنه فكر في غلق المحل، ولكن بعد شهور تفهم الناس حالة الغلاء، وعادت حركة البيع للأفضل لديه، لكن الغلاء جعل سعر كيلو اللحم الجملي يرتفع من 90 جنيه العام الماضي إلى 200 جنيه بنسبة ارتفاع تصل إلى 100 % تقريبًا.