على ضفاف النيل وبين أحضان الطبيعة الخلابة في جزيرة سهيل، يقود المخرج المسرحي حسن الجريتلي، مؤسس فرقة "الورشة" منذ عام 1987، ورشة تدريبية للحكي لفتيات أسوان، ضمن مشروع بودكاست "نباتيا صوتها سيما"، وقد اعتمد الجريتلي في مسيرته على جمع الموروث الشعبي والأساطير المحلية والعالمية، ليقدمها في عروض مسرحية فريدة، حاوره "عين الأسواني" ليروي لنا محطات من مشواره الفني وتجربته مع فتيات أسوان.
ما هي أهم مراحل بداياتك الفنية؟ وما أبرز محطات مشوارك؟
بدأت رحلتي الفنية في المرحلة الابتدائية، كنت في الصف الثالث وأشارك في حفلات المدرسة، أمثل وأغني وأرقص، وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية، واجهت ضغوطًا عائلية، والدي كان يريدني أن أصبح مهندسًا أو طبيبًا أو اقتصاديًا، لكنني كنت مصرًا على الفن.
بعد الثانوية، قررت السفر إلى إنجلترا لدراسة المسرح، هناك ركزت على الإخراج، وبعدها عملت في المسرح الفرنسي لمدة 8 سنوات، حيث أخرجت أعمالًا وأدرت فرقة المسرح القومي الفرنسي، عدت إلى مصر وعملت بمسرح الهناجر في الأوبرا، ثم أسست "الورشة" وهي أول فرقة مسرحية مستقلة في مصر، وبعد مرور 37 عامًا، أفتخر بأن الفرقة ما زالت مستمرة، رغم كل التحديات.
ما الإنجازات التي حققتها "الورشة"؟
الاستمرارية بحد ذاتها هي إنجاز في ظل غياب الدعم الحكومي، كان من الصعب أن نبقى كفرقة مستقلة قدمنا عروضًا مسرحية متنوعة تجمع بين الغناء والحكي والاسكتشات، وسافرنا إلى العديد من الدول، من إندونيسيا والبرازيل إلى أوروبا ومعظم دول العالم العربي.
عملنا أيضًا على تجارب لامركزية، مثل مشروع مركز "فنون العصا والتحطيب" في المنيا، ومركز لتدريب الأطفال على الفنون هناك لمدة 25 سنة، بالإضافة إلى ذلك نفذنا عروضًا تستهدف النساء والأطفال، وشاركنا في مهرجانات كبيرة مثل "أيام عمان المسرحية" في الأردن.
من أبرز إنجازاتنا أن الحكي أصبح جزءًا من المسرح العربي بفضل جهود "الورشة" الحكائين الذين دربناهم صاروا نجومًا اليوم، مثل سيد رجب وعبلة كامل وعمرو عبد الجليل، وغيرهم.
كيف كان تأثير "الورشة" على مشوارك الفني الشخصي؟
عملت في السينما مع مخرجين كبار، مثل يسري نصرالله وأحمد حداد، ومثلت في مصر وفرنسا، مشواري الفني امتد لأكثر من 55 عامًا، لكن تبقى "الورشة" أهم إنجازاتي، لأنها كانت حلمًا تحقق.
هل يمكن تنفيذ مشروع مشابه لـ"الورشة" في أسوان؟
أتمنى ذلك، لكنه صعب، عندما بدأت "الورشة"، كنت أرغب في أن يكون مقرها في المنيا، لكن واجهت اعتراضات من الممثلين هناك، لأن الجميع يعتقد أن العمل الفني يجب أن يكون في القاهرة، هذا هو واقعنا، كل شيء يتركز في العاصمة.
أسوان لديها مواهب كبيرة، لكن الثقافة الجماهيرية هنا، وسيطرة فكرة المركزية، تجعل تأسيس فرقة فنية أمرًا معقدًا وفكرة المركزية على سبيل المثال، ممثلة مثل عارفة عبد الرسول لمعت فقط عندما انتقلت إلى القاهرة، ورغم ذلك أرى أن أسوان تمتلك مواهب واعدة يمكن صقلها، مثل الفنان والمدرب زيزو تاج، الذي أثق في قدراته.
هل تدعم الدولة الفن في محافظات الجنوب؟
للأسف لا، كل المجهودات التي رأيتها في الجنوب فردية أو من المجتمع المدني، الدولة تعتمد على الثقافة الجماهيرية التي لم تتطور، وأصبحت بعيدة عن متطلبات العصر. "الورشة" لم تحصل على دعم من الدولة، باستثناء تكاليف تذاكر الطيران في بعض المهرجانات الدولية.
كيف ترى حظوظ فناني الأقاليم؟
حظوظهم سيئة جدًا، أي شخص يقول لي إنه يريد العمل في الفن، أقول له "لو عندك خيار تاني في حياتك، اختاره"، حياة الفنان المستقل صعبة للغاية، لأن النجوم القادرين على الاستمرار غالبًا ما يعملون في الفن التجاري أو الحكومي.
ما أبرز العقبات التي واجهتك خلال مشوارك الفني؟
العقبات كثيرة؛ منها المركزية في مصر كانت دائمًا حاجزًا كبيرًا، بالإضافة إلى الرقابة التي منعت عروضًا لنا دون أي نقاش، حضور النساء في السينما والمسرح بالأقاليم كان تحديًا، بعكس القاهرة، الحرية في الفن هي الأساس، لكن دائمًا ما نواجه قيودًا.
ما هي خططك المستقبلية؟
لست متشائمًا ولا متفائلًا، لكني أرى أن مصر مليئة بالمبادرات والمشاريع العظيمة، سأظل جزءًا من هذه المشاريع مثل مشروع خارج حدود العاصمة ، الذي ينظمه معهد جوته الألماني لتدريب الفتيات بالصعيد على عدد من المهارات والفنون كالكتابة والبودكاست، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأتمنى أن نرى تطورًا في دعم الفنون المستقلة في المحافظات.