حيرة السودانيين في أسوان بعد قرار "التأشيرة".. فرار وعودة وانتظار

تصوير: تعبيرية

كتب/ت أمنية حسن
2023-06-12 00:00:00

بدأت السبت الماضي سلطات المعابر المصرية السودانية الحدودية "قسطل وأرقين" اشتراط الحصول على تأشيرة دخول مسبقة لعبور السودانيين من جميع الفئات السنية والعمرية إلى الأراضي المصرية.

وقد أعلنت المعابر الأسبوع الماضي عن القرار -الذي دخل حيز التنفيذ أول أمس- عبر منشورات علقتها داخلها، لتلغي بذلك التسهيلات التي كانت قد قدمتها منذ بداية الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي، تسمح بدخول الأطفال والنساء إلى مصر من دون تأشيرة دخول، بينما يحصل الشباب بين سن 16 و49 سنة عليها مجانًا، وذلك إلى جانب تسهيلات أخرى متمثلة في الدخول بوثيقة سفر للسيدات والأطفال، والدخول بجوازات منتهية وممددة بخط اليد، ويمكن للأطفال الذين لا يملكون جوازات سفر مستقلة الدخول بواسطة جواز الأب أو الأم.

سودانيون كثيرون حالفهم الحظ بالعبور إلى مصر وفقًا لهذه التسهيلات وقبل ساعات من تنفيذ القرار، لكن بعض الذين عبروا ما كادوا يتخففون من عناء السفر ويلتقطون أنفسهم، حتى باغتهم القرار وهم يفكرون في باقي ذويهم من العالقين من النساء والأطفال، فرحتهم منقوصة دون لم شمل الأسرة، بعد استخراج تأشيرة أو جواز سفر جديد.

في هذا التقرير ترصد "عين الأسواني" تداعيات القرار بين عدد من السودانيين الذين وصلوا حديثًا إلى أسوان قبل تنفيذ القرار، ممن يفكرون في مصير العالقين من أفراد أسرهم وأقاربهم على الحدود المصرية السودانية.

وتُستخرج التأشيرات من القنصلية المصرية في بورتسودان ووادي حلفا، بعد تحرير استمارة الحصول على التأشيرة، وتحرير استمارة أخرى بالأموال التي يحملها المسافر، وبيانات أقاربه ومعارفه في مصر، وأماكن الإقامة في مصر والسودان، والوظيفة والمؤهل العلمي، إلى جانب التاريخ المتوقع للعودة إلى السودان، بحسب ورقة تداولها سودانيون في أسوان، وحصلت "عين الأسواني" على نسخة منها.

سيدة سودانية -فضلت عدم ذكر اسمها- بدت قلقة من القرار، لا تعرف ماذا تفعل لاستقدام باقي أفراد عائلتها العالقين على الحدود المصرية السودانية عند معبر أشكيت السوداني.

وصلت السيدة السودانية منذ أسبوعين إلى مصر واستقرت في أسوان، ومعها والديّها وشقيقتها وأطفالهما دون اشتراط تأشيرة دخول، لكن باقي أشقائها فوجئوا بقرار اشتراط استخراج تأشيرة مساء الجمعة 9 يونيو الجاري، ولم يسعفهم الوقت لاستخراج كل الأوراق.
تضيف السيدة لـ"عين الأسواني": "انتظرنا وصول باقي الأسرة، لكن القرار أدى إلى تغيير كل خططهم، نفقات السفر ضاعت عليهم وسيعودون مرة أخرى لاستخراج التأشيرة، لكن البعض لن يسافر لأنهم لا يتحملون مصروفاته مرة أخرى، بعد جلوسهم على معبر أرقين لعدة أيام على الأرض وسط العقارب، لذا فالقرار نزل عليهم كالصاعقة".

لكن السيدة توضح أن بعض الفارّين قاموا بتزوير أوراقهم الثبوتية، وفي النهاية دفع ثمن هذا الأطفال والنساء وكبار السن، ممن بالأساس لا يستطيعون تحمل مشقة السفر مثل الرجال.

يمكن أن تستشعر حزن السيدة السودانية من القرار، وهي تقول: "جئنا إلى مصر هربًا من أزمة تهدد أماننا وليس برضانا.. أحد أفراد أسرتي ليس معه جواز سفر، والسفارات في السودان حُرقت"، تواصل أسئلتها.. "ما الحل؟"، ثم تصمت قليلًا قبل أن تفكر في مسار رحلة الفرار الجديدة وتقول: "للحصول على تأشيرة دخول عائلتي مضطرة للسفر إلى حلفا المكان الأقرب، للحصول على تأشيرة مجانية من جانب السلطات المصرية، لكن الأعداد كبيرة ومن يرغب في تأشيرة عليه أن ينتظر بالأيام، كل هؤلاء سيقيمون في المساجد والمدارس، وربما يضطرون للمغادرة لأن الناس غير قادرين على استضافة أحد".

هشام سند، سوداني آخر وصل إلى أسوان الجمعة الماضية ومعه ستة أفراد من أسرته، بعد استغراقهم سبعة أيام في السفر من مدينة أم درمان السودانية وصولًا إلى معبر أرقين البري على الحدود المصرية السودانية، ليفاجآ بورقة القرار معلقة، يقول: “جميع أبنائي يحملون جوازًا للسفر لأنهم أقل من 16 عامًا، ماعدا الإبن الأكبر الذي اضطر للعودة لتجاوزه سن الـ16 ببضعة شهور، وهو الآن انتقل إلى مدينة آمنة في السودان مع جدته، انتظارًا لاستخراج تأشيرة الدخول إلى مصر من القنصلية في حلفا أو بورتسودان وهي تأشيرة مجانية لا يتحمل المسافر نفقات لدفعها".

ورغم أن التأشيرة تُستخرج بشكل مجاني من القنصلية المصرية وفقًا لشهادات عدد من السودانيين تحدث معهم "عين الأسواني"، إلا أن المشكلة الأكبر التي أشاروا إليها تتلخص في الانتظار لأيام من أجل الحصول عليها، نتيجة لارتفاع أعداد الراغبين في الفرار، فضلًا عن أن مكاتب السفر المتواجدة في السودان وبعض مستغلي الأزمة، يحصلون على مبالغ مالية كبيرة تصل وفقًا لشهادات عدد ممن تحدثنا معهم من السودانيين ما بين 250 ألف إلى 300 ألف جنيه سوداني، بما يتراوح بين 13- 15 ألف جنيه مصري.

وتُمثّل بُعد المسافة للوصول إلى القنصليات عائق أمام السودانيون وفقًا لشهاداتهم لاستخراج التأشيرة، فمثلًا قنصلية حلفا تستغرق 10 ساعات سفر أو القنصلية في بورتسودان 20 ساعة، وعليك الانتظار ستة أيام لاستخراجها وقد لا تحصل عليها.

وبحسب تقديرات سند، فاليوم الواحد يتم استخراج خمس تأشيرات فقط من القنصلية المصرية، وهو رقم أقل بكثير من الأعداد الكبيرة الساعية للفرار، على حد تعبيره.

يشرح سند أثر القرار عليه وأسرته، قائلًا: "بعد الوصول إلى معبر أرقين جلسنا على الأرض ثلاثة أيام حتى استطعنا الدخول إلى الأراضي المصرية لعدم القدرة على الجلوس داخل الحافلة، وهو أمر صعب، فلذا فالعودة من أجل الحصول على تأشيرة سيكبد الأسر متاعب مضاعفة، فتذكرة السفر كانت بقيمة 20 ألف جنيه سوداني، ووصلت الآن إلى 250 ألف جنيه سوداني".

يحمد "سند" الله، ويقول: “القرار يضع مشكلة أخرى، وهو عدم وجود جواز سفر للأطفال بالأساس، فهم يضافون إلى جواز سفر الأم، وبعض الحالات تحصل على وثيقة سفر مؤقتة ثم يُقنن وضعهم خلال ستة شهور في مصر عبر السفارة السودانية في القاهرة، لو أن أبنائي لا يحملون جواز سفر، فهذا يعني العودة إلى أم درمان والبحث عن الوثائق في المنزل، الذي لا أعرف هل قُصف أم لا، وقد أقع في قبضة قوات الدعم السريع وأُنقل إلى العمل في معسكراتهم إجباريًا".

وقد سبق القرار الأخير، قرار آخر للسلطات المصرية نهاية مايو بوقف وثائق السفر المؤقتة للسودانيين عبر المعابر المصرية ممن لا يملكون جوازات سفر من الأطفال والسيدات والمرضى والذكور دون سن الـ 16 سنة.

وكانت مصر على مدار السنوات الماضية تسمح بدخول الأطفال والنساء إلى مصر من دون تأشيرة دخول، والشباب بين سن 16 و49 سنة يحتاجون إلى تأشيرة دخول وتمنح لهم مجانًا، وذلك وفقًا لما يراه الجانب المصري تفعيلًا لاتفاقية "الحريات الأربعة" الموقعة مع السودان عام 2004، التي تقضي بإلغاء كافة القيود على حرية الدخول والخروج والتنقل والتملك بين الدولتين.

وكان تفعيل الاتفاقية مثارًا للجدل منذ توقيعها خصوصًا من الجانب السوداني الذي كان يشكو دومًا عدم تفعيلها المطلق من الجانب المصري، خصوصًا القيود في بند الدخول والتملك. 

وكانت وكالة الأنباء السودانية "سونا" قد نشرت فبراير الماضي، في أعقاب اجتماعات الدورة الخامسة للجنة القنصلية الدائمة بين مصر والسودان بالخرطوم، أن الجانبين اتفقا على تسهيل منح تأشيرات الدخول للجانبين، وتسهيل الإقامات وتصاريح العمل، والتأكيد على حرية التملك للسودانيين بمصر. 

ورغم التفعيل غير المشروط للاتفاقية الذي تم مع بداية الاشتباكات من الجانب المصري، إلا أن قرار اشتراط الدخول بتأشيرة مسبقة قد أعاد الحديث حول قيود تنفيذ الاتفاقية.

وتُقدر المنظمة الدولية للهجرة، عدد الفارّين من السودان نتيجة للأحداث بنحو 476٫811 شخصًا، منهم نحو 205٫565 شخصًا إلى مصر بنسبة 43.1 %، بحسب تقرير صادر منذ أيام.